- نبيل شماشامعاون المشرف العام
كنيستي الى اين بقلم العلامه الكبير البير ابونا الجزء الثاني
الجمعة سبتمبر 30, 2011 9:42 pm
الجزء الثاني
الكهـنــة
تحتاج كنيستي إلى مزيد من الكهنة ليخدموا في حقل المسيح الواسع. وهناك كهنة صالحون عملوا في كرم الرّب بإخلاص واستمرارية سنوات طويلة. ومنهم قضوا نحبهم، وآخرون ما يزالون يناضلون في سبيل الأمانة للانجيل وللقيم الروحية.
ان الدعوات الكهنوتية كثيرة في كنيستي، والحمد لله. ولكن هل ثمة من يواكبها حقًا في مسيرتها إلى الكهنوت، عبر سنوات طويلة من الدراسة، في ظروف ليست مثالية دومًا. وارى ان هؤلاء الشباب السائرين على درب الكهنوت عليهم ان يتلقوا تثقيفًا ثلاثي الأوجـه :
ا : روحيـًا
وهذا امر يقتضي ان يكون معهم كهنة من ذوي الخبرة والسيرة الصالحة، لكي يرافقوهم ويرشدوهم إلى حياة المحبة والفضيلة، ولكي يوجّهوهم ليتبعوا المسيح جذريًا في طريق التجرد والخدمة والتضحية. وعلى هؤلاء الكهنة، رؤساء كانوا أو معلمين أو مرشدين، ان يقدموا للشباب المتوجهين نحو الكهنوت مثال حياة كهنوتية رصينة. فلا يكفي ان يوفّروا لهم السكن والطعام والدراسة، بل عليهم ان يرسخوا حياة هؤلاء الشباب على المسيح، لكي يصبح المسيح حقًا محور حياتهم ومنطلق أعمالهم ومحط أمانيهم. كنيستي اليوم بحاجة إلى كهنة قديسين لكي يقوموا بالتبشير الجديد بالمسيح وبرسالة " أنجَـلَـة " المجتمع، الذي هو بأمس الحاجة إلى مثل هؤلاء الفعلة الغيورين.
قد تدعو الحاجة إلى إعادة النظر في الحياة الروحية في المعهد الكهنوتي البطريركي : التأمل، الصلاة الفرضية، القداس، القراءة الروحية، الصلاة الشخصية خلال النهار، الخ... فالصلاة يجب ان تحتل قلب حياة الاكليريكي، لأن الكاهن يجب ان يكون قبل كل شيء " رجل صلاة "، وإلا انتهت حياته إلى السطحية والتفاهة. وهل ثمة حاجة إلى التذكير بأن الكادر المسؤول عن حياة طلاب الكهنوت وتثقيفهم وروحانيتهم يجب ان يقدّم لهم المثل الصالح بحياته ورصانته والتزامه بأسس الحياة الروحية وبما يساعد على تقويتها وتنميتها. وإلا فستبقى الكلمات والارشادات ألفاظًا جوفاة ومنقطعة عن الحياة... وهنا أناشد المسؤولين عن طلاب الكهنوت ان يبذلوا جلَّ إهتمامهم بحياتهم الروحية التي هي الدعامة الأقوى لحياتهم الكهنوتية. قال الطوباوي يعقوب الكبوشي : ازرعوا البرشان، تحصدوا قديسين ! أي ازرعوا حب الله والافخارستيا في حياتهم، وسرعان ما تتحققون من عمق حياتهم في المسيح.
ب : عـلـمـيـًا
يحاول المعهد الكهنوتي، بالتعاون مع كلية بابل، تقديم العلوم اللازمة والمواد الكافية للطلاب. إلا ان الهيئة التعليمية ليس لها دومًا الكفاأت اللازمة لإيصال المواد إلى الطلاب بصورة صحيحة. وكثيرًا ما يأتي الخلل من جهة الطلاب أنفسهم، ومن عدم محاولتهم استيعاب وهضم العلوم التي تُعطى لهم، لا سيّما العلوم الفلسفية واللاهوتية التي يجب إلا تبقى عندهم مجرد نظريات علمية، بل ان تتسرب إلى صميم حياتهم، لكي يحيوا ما يتلقونه في شأن الله وتدابيره، وفي شأن الكنيسة ومؤسساتها، وفي شأن الإنسان ومقتضياته. وعلى الطلاب ألا ينسوا هذه الحقيقة : ان الحرف يقتل، واما الروح فيحيي، وان العلم القليل ينفخ الإنسان ويدفعه إلى الكبرياء، واما العلم الكثير والعميق والرصين فيقود إلى الله عن طريق التواضع والخدمـة.
ج : راعـويـًا
يحتاج طالب الكهنوت، منذ سني دراسته في المعهد، إلى التمرّن على ما سيكوّن حياته ورسالته في المستقبل. عليه ان يتعرف أكثر فأكثر إلى المجتمع، ويطّلـع على احتياجاته الروحية والإنسانية، وذلك عبر قنوات رصينة : المسؤولين الدينيين، المرشدين، المعلمين، الزملاء الكبار، إلخ... وذلك لئلا يباغته الكهنوت، وكأنه سقط من كوكب فضائي إلى العالم الأرضي، فانغمس في صعوباته ومآسيه غير المتوقّعة. كـلا ! عليه ان يختبر الحياة من مختلف نواحيها، وان يعلم ما فيها من الخير والشر، لكي يكون اختياره صحيحًا وواعيًا وموجّهًا دومًا إلى خير الإنسان، ولا سيّما إلى خير ومساعدة الذين يُعهَدون إلى رعايته. أجل، عليه ان يتعلم فـنّ رعاية البشر : ان يكون مثل المسيح، " الراعي الصالح " الذي يحبُّ خرافه ويهتم بها ويقودها دومًا إلى المراعي الخصبة ويدافع عنها، بل يبذل عنها ذاتَـه، إذا دعا الأمر.
وهنا اتذكر كيف كنا، ونحن بعد تلاميذ، نرافق كاهن الرعية في العطلة الصيفية في زيارة العوائل وتفقّد احوالها وحل مشاكلها. كم تعلّمنا من هذه الخبرة الراعوية. فكم اتمنى ان يتدرب المرشحون للكهنوت على الاحتكاك بالمؤمنين وخدمتهم وعلى طريقة التعامل معهم، في سبيل توجيههم إلى المسيح الذي يجب ان يكون دومًا القطب الأكبر الذي يجتذبنا ويجتذبهم إليه. واناشد المسؤولين ان يعلّموا الكاهن الجديد كيف يحب الجميع، وكيف يجب ان تنبثق من هذه المحبة جميع مواقفه وتصرفاته مع المؤمنيـن. ومن هذه المحبة تأتي ثمار الروح التي يعددها القديس بولس حينما يقول :" اسلكوا سبيل الروح... اما ثمر الروح فهو المحبة والفرح والسلام والصبر واللطف وكرم الأخلاق والإيمان والوداعة والعفاف " (غلاطية 4/22ء ).
فيا أخي الكاهن، حذارِ من روح التسلّط على المؤمنين الأحباء. إنهم أبناؤك واخوتك في المسيح. فلا داعي إلى الاستعلاء عليهم، ولا إلى معاملتهم بقساوة وخشونة وكأنهم عبيد لك. وأيًا كانت مواقفهم ونفسياتهم، فان قلبك الأبوي يجب ان يكون مفعَمـًا بالمحبة والرحمة والحنان في جميع الأحوال. تذكّروا ما يقوله الحكيم : ان العسل يجتـذب الكثير من الذباب، اما الخـلّ فيُبعـدها !
الكـاهـن اليـوم
يريد المسيح ان يكون كاهن اليوم مستعدًا لمجابهة قوى الشر والظلام المنتشرة في العالم، بل في عقر داره، أي في رعيته أحيانًا، وان يجابه أيضًا التيارات المسيئة التي تحاول ان تجرف الناس وتبعدهم عن أهداف حياتهم الأساسية.
لذا يريد المسيح ان يكون كاهن اليوم " واقفًا " أي حاضرًا امام الرّب ومستعدًا ليقوم بما يريده منه في كل لحظة، وان يكون كاهن اليوم " مستقيمـًا "، أي ان تكون حياته كلها حسب نهج دعوته ورسالته بدون انحراف، وان يكون كاهن اليوم " ساهـرًا "، أي ان يكون منتبهًا إلى نداأت الله ونداأت الإنسان، بدون ان يدع المجال للإهمال واللامبالاة في حياته اليومية.
ولكن يا للدهشة ! فما إن يبدأ الكاهن الجديد حياته الراعوية كمسؤول عن خورنة معيّنـة، حتى تكتنفه الصعوبات وتنهال عليه المشاكل، وكأنها على موعد معه : مشاكل روحية، معضلات مادية، بالاضافة إلى المشاكل العاطفية وإلى شؤون الكنيسة المتراكمة. انها مشاكل قمينة بأن تغرق الكاهن في الفوضى والارتباك، ما لم يكن قد أرسى أسسَ حياته على المسيح، ووضعَ فيه ثقتَـه الكلية وعاش تحت أنظاره الدائمة.
الكاهن والعزل
ان كاهن اليوم، سواء كان في المدينة أو في القرى والأرياف، يعاني من عزلة رهيبة. فهو يشعر بكونه مهمَـلاً ومتروكًا وشأنه. فلا يتلقى تشجيعًا ولا توجيهًا ولا تنبيهًا مـن رؤسائه المسؤولين عنه، ولا من اخوته الكهنة الذين لا يلتقيهم إلا في مناسبات (أكاليل، دفنات، الخ...) واحيانًا لبعض جلسات المرح بين بعض الكهنة... فلا غبطة البطريرك، ولا السادة الأساقفة الأجلاء يبدون اهتمامًا أبويًا بالكاهن. انما اهتماماتهم تنحصر في الامور الرسمية وفي نطاق اشغالهم أو مصالحهم الخاصة. اما الكاهن، فعليه ان يتدبر شؤونه. لكن الويل له إن زلّت قدمه قيد أنملة، فتنهال عليه التوبيخات والتقريعات والإجراأت التي لا ترحـم !
وبالنتيجة فان كاهن اليوم، ما لم يكن له أساس عميق في المسيح وحياة روحية متينة، يتصرف كما يشاء، ويقوم بأمور تطيب له، بل ينجرف وراء أمور مخالفة لدعوته ورسالته الكهنوتية، أو انه ينصرف إلى حياة كسل ونوم، وكأنه لا هدف له في الحياة ! والحياة التافهة التي يعيشها تقود حتمًا إلى نوع من الركود والتشاؤم والتذمر على الكل وعلى كل شيء، وربما إلى الندم على اختياره هذه الطريقة من الحياة، ولكن لاتَ ساعة مندَم !
ربما سيرى البعض من القراء الأحباء في كلماتي هذه شيئًا من المبالغة أو مسحة من التشاؤم. لكني استند فيها إلى خبرتي الشخصية، وإلى خبرة العديد من اخوتي الكهنة الذين يدلون بشهادات عفوية عن احوالهم ومعاناتهم وعن الصعوبات التي يتعرضون لها في سبيل الالتزام بالحياة الكهنوتية والقيـم الانجيلية التي تعهدوا بالسير على نهجها.
فيا أبانا البطريرك، ويا سادتنا المطارنة الأجلاء، إلى متى تتركون كهنتكـم في هذه الحال، التي تنعكس حتمًا على رسالتهم، بل على حال كنيستي كلها، وهي سائرة نحو انحطاط مستمر، وهي بأمس الحاجة إلى من يُنهضها ويرفع شأنها. وهل لديكم، يا اصحاب الغبطة والسيادة شيء اثمن وافضل من الكنيسة التي ائتمنكم المسيح عليها، والتي سيطالبكم ويحاسبكم يومًا على طريقة رعايتكم لها ؟ فالكنيسة أولى من مهماتكم الشخصية، وأفضل من جميع مصالحكم، واثمن من كل الكنوز والمقتنيات التي تركضون وراءها والتي تمارس على بعض منكم، ويا للأسف الشديد، تأثيرات بل ضغوطًا عاتية، حتى تكاد ان تستعبدهم ! ألم يحن الأوان لكي تفكروا في إنقاذ كنيستكم من حالتها البائسة ؟... عسى ان يكون السينودس القادم فرصة مؤاتية يقدّمها لكم ربُّ الكنيسة لمزيد من الإهتمام بها.
4ء الشمامسـة والعلمانيـون
إذا انحـدرنا درجة أخرى في الهرم الكنسي وفي السلطة التراتبية في كنيستي، التقينا الشمامسة والعلمانيين.
أما " الشمامسة الانجيليون " فعددهم ما يزال قليلاً في كنيستي، ومعظمهم موجَّه نحو الكهنوت. أما الآخرون، مع الشمامسة الرسائليين والقارئين وغيرهم، فدورهم يكاد يقتصر على اشتراكهم في الاحتفالات الليتورجية. إنهم ينعشون الصلوات الفرضية صباحًا ومساء، وينظمون القداديس والاحتفالات الدينية الأخرى. وبعد ذلك، لا شأن لهم في الأمور الكنسية، بل عليهم ألا يتدخلوا في هذه الشؤون الخاصة بالأساقفة والكهنة، وان يعودوا إلى مواضعهم واشغالهم وعوائلهم في العالم، ويتركوا الكهنة أحرارًا في تدبير الكنيسة وشؤونها كما يشاؤون.
أما " المؤمنـون "، الذين يُطلَق عليهم لقب " العلمانيين "، فإنهم يشكلون القاعدة في هرم الكنيسة، ولكنها قاعدة واسعة وراسخة اليها يستند بنيان الهرم الشامخ. الا ان هذه الشريحة من الكنيسة لا تحظى في الغالب بالقدر الكافي من المسؤولية والعمل في كنيستي. قالوا وقلنا ونقول ان كنيسة المسيح لا تتكون من الرؤساء على مختلف أصنافهم فحسب، بل من جميع المنتمين اليها، من كل الأعمار والأجناس والأعراق والألوان والذهنيات والقوميات. كنيسة المسيح تضمُّ جميع المعمَّدين بالماء والروح، بالفعل ام بالشوق. وعلى جميع أبناء كنيستي ان يشتركوا في بنيانها وتقدّمها وازدهارها، وان يتعاونوا لجعلها على مستوى مسؤولياتها في عالم اليوم، فيظهر وجه الكنيسة من خلالهم بهيًّا ومشعًّا ومتفائلاً ومفعمًا بالدينامية.
كلنا نعلم ان كل مسيحي، بفعل عماده وتثبيته، كاهن ورسول في هذا العالم. ومن ثمة عليه الا يستسلم إلى الراحة طالما هناك أناس يحتاجون إلى نور الانجيل. لذلك يترتب على كنيستي ان تكون حية ونشطة ودينامية من خلال جميع فئات مؤمنيها. فإن روح العنصرة هو الذي يهبُّ عليها وينعشها ويدفعها إلى غزو العالم للمسيح وللقيم الروحية السامية. فعليها ان تعطي المجال دومًا لروح الله ليقودها حيث يشاء، وان تبذل جميع جهودها لكي تتجاوب مع نداأت هذا الروح الإلهـي ومع متطلبات دعوتها في العالم. عليها ان تكون ساهرة على حقيقة المسيح : ان تحياها وتعلنها وتدعو الجميع إلى الانضمام اليها. فإن رسولية الكنيسة تظهر في حيوية أبنائها المؤمنين والتزامهم الأمين بجميع واجباتهم، وبالسهر على صفاء الحياة الروحية والتعليم الإنجيلي فيها، وألا يعطوا مجالاً لفئات غريبة لكي تصطاد فيها في الماء العكر، فتزرع فيها الزؤان، وتجتذب بعضًا من أبنائها بمختلف الوسائل، ولا سيّما بالوسائل المادية، بينما تستسلم كنيستي إلى حياة الكسل والنوم. ولا يحق لكنيستي ابدًا ان تنحي باللائمـة على هذه الفئات، بل عليها ان تكون أكثر منها إشعاعًا ودينامية وجاذبية، من خلال مختلف الفعاليات التي من شأنها ان تجتذب الناس وتقرّبهم مـن المسيح.
فيا كنيستي الحبيبة، انكِ مؤتمنة على المسيح. وإذا كان المسيح هو الكرمة الحق، فالمؤمنون كلهم اغصان في هذه الكرمة المقدسة. والجذع وحده لا يثمر، والاغصان وحدها لا تثمر، ما لم تكن متّصلة بالجذع، وما لم تتلقَّ منه الماوية المنعشة. وإذا كانت كنيستي سر المسيح للعالم، فالمؤمنون هم قنوات لنقل هذا السر إلى العالم. وكم يطيب لي هنا ان أتبنى كلمة الطوباوي الجديد الأب يعقوب الكـبوشي الذي قال : " عارٌ على المسـيحيين إن استراحوا، بينما يتعب أهل العالم ! ".
واقول لمؤمني كنيستي الأحباء : انتم مسؤولون عن كنيسة المسيح على أرض البشر. فلا يحق لكم ان تتنازلوا عن هذه المسؤولية مهما كانت الذرائع، بل اضطلعوا بها بكل قواكم، وسيروا في خدمة كنيستكم وفي إنعاشها، ولا تتوقفوا امام المعاثر والشكوك التي قد تلاحظونها في سلوك البعض من اخوانكم أو رؤسائكم. المسيح هو هو، امس واليوم وإلى الابـد، وسيبقى مع كنيسته إلى انقضاء العالم. فلا يخيفنَّكـم شيء، ولا يقلقنَّكـم شيء : الله وحـده يكفي، كما قالت القديسة تريزة الكبيرة.
وما شأن الرهبـان والراهبـات في كنيستـي ؟
ليس لي هنا إلا ان اقف إجلالاً وتقديرًا امام طوابير الرهبان والراهبات الذين يضمنون أصالة الحياة الروحية في العالم. فأتمنى ان يكون هؤلاء، مع المكرسين والمكرسات الآخرين، العيون الساهرة في كنيسة المسيح في عراقنا الحبيب والقلوب النابضة التي تخفق حبًا وحنانًا وعطاءً للجميع، وان يحملوا على عواتقهم مسؤولياتهم الاساسية بإيمان جاّد وثقة بالله لا حد لها، وان يشهدوا بحياتهم لحقيقة المسيح، وبفقرهم لتجرد المسيح، وبصفائهم لنقاوة المسيح، وبغيرتهم لعطاء المسيح وسخائه اللامحدود تجاه الناس أجمعين. فانه المعين الذي لا ينضب ويقبل جميع الآتين اليه بدون استثاء ولا استنطاق... وهنا لا يسعني سوى ان التمس صلاة اخواني الرهبان واخواتي الراهبات، وبقية المكرسين والمكرسات في الكنيسة، هنا وفي العالم كله. فانا اؤمن بالصلاة وبقوتها وبإسهامها الفعّال في حفظ الإيمان المسيحي في هذه البلاد الحبيبـة.
جء كنيـستـي إلى أيـن ؟
وهذا هو المحور الأخير الذي اتطرق إليه بايجـاز.
إن كنيستي اليوم في منعطف خطير وامام مستقبل غامض. وقد تعرضت في هذه السنوات الأخيرة لهزّات عنيفة دفعت نحو نصف مؤمنيها إلى مغادرة البلاد. وهذا ما أدّى إلى ضعف كبير في كنيستي وامكاناتها البشرية ونشاطاتها الروحية والاجتماعية. وكان من شأن هذه الظروف ان تدفع كنيستي إلى القيام بمراجعة شاملة ونزيهة وعميقة وواقعية لحياتها، وإلقاء نظرة جديدة على واجباتها الجديدة لكي تتجاوب مع متطلبات المؤمنين حيثما كانوا، في الوطن أم في المهجر. اليس هذا الوضع نداء يدعو كنيسـتي إلى العودة إلى أصولها وينابيعها الروحية الأصيلة ؟ اليست هذه صرخة تطلقها الأوضاع لتقول لكنيستي ان تلتزم بمُثلها العليا الأساسية : بالفقر الرسولي الذي يعني تجرد القلب والتحرر من عبودية المادة، وبروح العطاء والسخاء البعيد عن الجشع وحب المال الذي طالما تُتّهـم به كنيستي ورؤساؤها ؟ اليس هذا نداءً ملِحـًّا يدعو كنيستي إلى التحرر من كل ما يرمي إلى استغلالها لمصالح خاصة أو عامة. كنيستي حـرّة، ويجب ان تبقى حـرّة لا يغريها شيء في العالم، لا الأموال ولا المناصب، ولا يعيق خدمتها المتواضعة أي ضغوط أو تأثيرات، أيًا كان مصدرها.
امام كنيستي خطـة ترسم لها حياتها ورسالتها بوضوح. إنها خطة الإنجيل ورسالة المحبة ونشر البشرى السارة بجميع الوسائل المتاحـه لها. وهذه الخطة تقتضي منها الأمانـة والاتّزان والاستمرارية بدون أي انحراف
كنيستـي والسيـاسـة
إنه سؤال طالما يُطرَح في المجتمع. لكن كلمات المسيح لتلاميذه واضحة. فهو يقول لهم : انتم " في " العالم، ولكنكم لستم " من " العالم. كلمات لا لبس فيها ولا غموض. فأبناء الكنيسة بشريون مثل سائر الناس ومضطرون إلى العيش في مجتمعات بشرية متنوعة، وإلى التعاون مع اخوتهم البشر حيثما كانوا، في سبيل بنيان مجتمع يقوم على أسس صحيحة وثابتة، أسس المحبة والعدالة والسلام. فلا يجوز للمسيحي ان يتهرب من واجباته الاجتماعية، أيًا كانت الظروف أو الضغوط، بل عليه ان يسعى ليستخدم جميع الوسائل الممكنة للخير ومساعدة الإنسان في سبيل الحصول على حياة كريمة في عالم مشبع بالمظالم والمساوىء والاستغلال والاستعباد. فنحن إذًا في العالم، ويجب ان نبقى في العالم عناصر خير ومحبة. ولكن علينا ألا ندع روح العالم يتسرب إلى نفوسنا ليشوّهها ويجعلها تحيد عن مسارها الصحيح. لقد قبلنا روح المسيح، ويجب ان يبقى روح الإنجيل حيـًّا وفعّالاً في نفوسنا، بل مؤثرًا ومعديًا إلى الآخرين...
كنيستي مدعوة ألا تكون غريبة عن هذا العالم وشؤونه، ولكن بدون ان تلوّث بهاءَهـا. وتشكّل السياسة اليوم شأنًا مهمًا جدًا في بلدان العالم كله. وهذا لا يجيز لنا ان ننسى أيضًا ما قيل في السياسة : " ما إن دخلت السياسة أمرًا إلا أفسدته ! " هذا مع احترام كنيستي العميق لرؤساء البلدان وساستها، فإنها تريد ان تبقى محايدة، بل حرة، كما قلنا سابقًا، وألا تدخل ضمن نطاق ضيق من الأديولوجيات والأفكار والمقاييس والمساومات البشرية. فسياسة المسيح كانت سياسة المحبة. هكذا يجب ان تكون سياسة كنيستي أيضًا، ولا سيّما ان السياسة في كل الأزمنة تستخدم معايير وموازين ليست مستوحاة حتمًا من روح الانجيل، بل هي متناقضة احيانًا معه، حتى في البلدان التي تدّعي بكونها مسيحية، أو لنقل لها صبغة مسيحية.
المـعـضلة الخطرة
هنا نحن أمام معضلة خطـرة أسالت الكثير من الحبر، وشغلت العديد من القنوات الإذاعية أو التلفزيونية، وملأت الكثير من الحقول في الانترنت وغيرها من وسائل الإعلام. والقضية مطروحة منذ نحو نصـف قرن.
أجل، منذ عقود عديدة من الزمان، ينادي بعض المغاليـن من القوميين المسيحيين بإنشاء دولة أو دويلة ء سهل نينوى بالتحديد ء تنعم بحكم ذاتي، ويسكنها مسيحيون من مختلف الفئات (كلدان – اشوريون – سريان) وتحكم ذاتها بذاتها، وهي تهدف إلى إحياء ذكرى الامبراطورية الاشورية، التي كانت مدينة نينوى (قوينجق) احدى عواصمها الكبرى. وقد زالت نينوى، شأن سائر عواصم العالم القديم، وذلك منذ سنة 612 قبل الميلاد. وزالت كذلك الامبراطورية الاشورية مع مجدها العظيم وسلطتها الواسعة، وتشتت الاشوريون شذر مـذر في طول بلاد بين النهرين وعرضها.
وانا لا أريد ههنا ان اقتحم هذا المعترك الشائك، ولا ابغي ان اجرح شعور اي إنسان حر في تفكيره وامانيه، ولست ارمي إلى معالجة هذا الموضوع من الناحية السياسية. ففي وسع القوميين الجدد ان يفكروا كما يشاؤون، وان يوطّدوا أمانيهم على ضروب من الخيال أو على أحلام اليقظة، وقد كلّفتهم هذه الأوهام اثمانا باهظة في العهود السابقة من الحكم في العراق, وما يدعو إلى الاستغراب انهم ما يزالون ء ويشدة متزايدة ء متمسكين بأفكارهم وطموحاتهم !.
لقد قلتُ وأكرّر ان كنيستي يجب ان تبقى حـرّة، وألا ترتبط بالسياسة والأحزاب والمحسوبيات. في وسعها ان تستفيد من مساعدة جميع المحسنين من ابنائها ومن الغرباء. ولكنها يجب ان ترفض رفضًا قاطعًا ان تُستغلَّ لأهـداف غريبة عن أهدافها السامية ولقيم مضادة لقيمها الانجيلية. فكنيستي تشكر جميع الذين مدّوا وسيمدون لها يد المعونة في هذه الظروف الحرجة. ولكنها ترفض ان تُستعبَـد لأحد، أيـًا كان. اما ان تُجَـرَّ كنيستي إلى اتّخـاذ خطوة قد تؤدي إلى ما لا تُحمَـد عقباه، فهذا أمر ترفضه رفضـًا قاطعًا.
فإن الكنيسة التي أسسها المسيح على هذه الأرض لم يعيّن لها رقعة خاصة ولا بلادًا تضمّها، بل قدّمَ لها العالم كله حقلاً لرسالتها. فقد قال لرسله : " اذهبوا إلى العالم كلـه... " ولم يقل، مثلاً ، " توجّهوا إلى الجليل، وأسسوا فيه دولة أو مملكة ".... لكان، والحال هذه، قضى على كنيسته بالتقوقـع، وبالانعزال والزوال. وما أكثر الأمثال التي ضربها لكي يُطلعنا على صفات كنيسته. فهو يقول تارة لتلاميذه : انتم نور العالم، والنور من طبيعته يشعُّ على جميع الذين هم تحت حكمه، بغضّ النظر عن انتماأتهم. وقال لهم أيضًا : انتم ملح الأرض، أي الملح الذي يعطي الطعم والمذاق الطيب للعالم، ويقيه من الفساد. ولم يقل ذلك عن بلد أو بلدان محدودة، بل عن الأرض كلها. وقد شبَّـهَ المسيح ملكوته أي كنيسته بالخميرة التي توضع في العجين ليختمر كلـه. ويجب ان تتسرب هذه الخميرة في العجين كلـه، لكي تمارس فيه عملها المغيِّـر. وما الفائدة من الخميرة إذا فُصلت عن العجين ؟ فلا العجين يختمر، ولا الخميرة تؤدي دورَها المنتظَر، بل تمسي بلا فائدة، وتجفُّ وتُرمى خارجًا...
ومنذ البداية، أدركت كنيستي دورها ورسالتها في العالم. وحيثما انتشرت الديانة المسيحية، انتشر معها هذا المنظور الشامل. ومنذ نهاية القرن الميلادي الأول، انتشرت المسيحية في بلاد الرافدين، وتوخّت نشر الحقيقة والمحبة بين جميع شرائح الشعب في هذه البلاد التي كانت كلها مسرحًا لرسالتها. فتجذّرت فيها الكنيسة بعمق، ونمت، وعاش المسيحيون مع الشعوب التي تعاقبت في السلطة على هذه البلاد، من فرثيين وساسانيين وعرب وغيرهم... وعرفت ان تفتح قلبها لتضمَّ محبتها جميع الشعوب والديانات. ذلك لأنها تستمدُّ نظرتها إلى الإنسان من نظرة الله نفسه : كل الشعوب والأمم أبناء له أحبّـاء، وهو يريد للجميع الخير والخلاص. فكنيستي تريد ان تعيش بين جميع شعوب العراق، وتنقل إلى الجميع محبةَ الله ورحمته. فهل يجوز ان نفصلها ونعزلها لنجعل منها دولة خاصة ؟ لقد تعلمنا من خبرة الأجيال الطويلة ان جميع البلدان التي ادّعت بكونها " مسيحية "، أساءت إلى المسيحية في الواقع أكثر مما نفعتها.
فأنا شخصيًا ارفض ان تُحبَس كنيستي، أيا كانت التسميات التي أُلصقت بها، في موضع أو رقعة خاصة تعرّضها لخطر مميت، إذ تجعلها بين المطرقة والسندان : مطرقة الأكراد وسندان العرب ! في حين ان المسيحيين يعيشون منذ البدء في إخاء وتعاون مع العرب، وفي تفاهم وتضامن مع الأكراد، ويريدون ان يعيشوا كإخوة مع الجميع، وان يبنوا الوطن مع الجميع، كما اشتركوا مع الجميع في المصائب التي حلّت بهذه البلاد، ويحق لهم ان ينعموا أيضًا مع الجميع بالسعادة والرفاهية والسلام في المسقبل.
****************
هذه هي كنيستي كما اتمناها اليوم، وكما يريدها المسيح : كنيسة حيـة، ديناميـة، تسعى دومًا إلى الخير، وتريد ان تقدّم لعالم اليوم وجـهَ المسيح المشرق الجذاب، وجهَ الحقيقة والمحبة، وجه الخدمة المتواضعة، وجه الانفتاح والعطاء والسخاء اللامحدود في سبيل إنسان اليوم.
وارفع كل يوم صلاتي إلى الرّب لكي يبقى دوما مع كنيسته وفي كنيسته، لئلا تتبعثر جهودها وتتعثّر مسيرتها في دروب المصالح الأنانيـة... يا رب، ابقَ دومًا في كنيستك، ورافقها في جميع مراحل حياتها، لتعلن الحق والحب والسلام للجميع، لمجـد اسمـك القدوس،
آمـيــن/ منقول للامانه والفائده
الكهـنــة
تحتاج كنيستي إلى مزيد من الكهنة ليخدموا في حقل المسيح الواسع. وهناك كهنة صالحون عملوا في كرم الرّب بإخلاص واستمرارية سنوات طويلة. ومنهم قضوا نحبهم، وآخرون ما يزالون يناضلون في سبيل الأمانة للانجيل وللقيم الروحية.
ان الدعوات الكهنوتية كثيرة في كنيستي، والحمد لله. ولكن هل ثمة من يواكبها حقًا في مسيرتها إلى الكهنوت، عبر سنوات طويلة من الدراسة، في ظروف ليست مثالية دومًا. وارى ان هؤلاء الشباب السائرين على درب الكهنوت عليهم ان يتلقوا تثقيفًا ثلاثي الأوجـه :
ا : روحيـًا
وهذا امر يقتضي ان يكون معهم كهنة من ذوي الخبرة والسيرة الصالحة، لكي يرافقوهم ويرشدوهم إلى حياة المحبة والفضيلة، ولكي يوجّهوهم ليتبعوا المسيح جذريًا في طريق التجرد والخدمة والتضحية. وعلى هؤلاء الكهنة، رؤساء كانوا أو معلمين أو مرشدين، ان يقدموا للشباب المتوجهين نحو الكهنوت مثال حياة كهنوتية رصينة. فلا يكفي ان يوفّروا لهم السكن والطعام والدراسة، بل عليهم ان يرسخوا حياة هؤلاء الشباب على المسيح، لكي يصبح المسيح حقًا محور حياتهم ومنطلق أعمالهم ومحط أمانيهم. كنيستي اليوم بحاجة إلى كهنة قديسين لكي يقوموا بالتبشير الجديد بالمسيح وبرسالة " أنجَـلَـة " المجتمع، الذي هو بأمس الحاجة إلى مثل هؤلاء الفعلة الغيورين.
قد تدعو الحاجة إلى إعادة النظر في الحياة الروحية في المعهد الكهنوتي البطريركي : التأمل، الصلاة الفرضية، القداس، القراءة الروحية، الصلاة الشخصية خلال النهار، الخ... فالصلاة يجب ان تحتل قلب حياة الاكليريكي، لأن الكاهن يجب ان يكون قبل كل شيء " رجل صلاة "، وإلا انتهت حياته إلى السطحية والتفاهة. وهل ثمة حاجة إلى التذكير بأن الكادر المسؤول عن حياة طلاب الكهنوت وتثقيفهم وروحانيتهم يجب ان يقدّم لهم المثل الصالح بحياته ورصانته والتزامه بأسس الحياة الروحية وبما يساعد على تقويتها وتنميتها. وإلا فستبقى الكلمات والارشادات ألفاظًا جوفاة ومنقطعة عن الحياة... وهنا أناشد المسؤولين عن طلاب الكهنوت ان يبذلوا جلَّ إهتمامهم بحياتهم الروحية التي هي الدعامة الأقوى لحياتهم الكهنوتية. قال الطوباوي يعقوب الكبوشي : ازرعوا البرشان، تحصدوا قديسين ! أي ازرعوا حب الله والافخارستيا في حياتهم، وسرعان ما تتحققون من عمق حياتهم في المسيح.
ب : عـلـمـيـًا
يحاول المعهد الكهنوتي، بالتعاون مع كلية بابل، تقديم العلوم اللازمة والمواد الكافية للطلاب. إلا ان الهيئة التعليمية ليس لها دومًا الكفاأت اللازمة لإيصال المواد إلى الطلاب بصورة صحيحة. وكثيرًا ما يأتي الخلل من جهة الطلاب أنفسهم، ومن عدم محاولتهم استيعاب وهضم العلوم التي تُعطى لهم، لا سيّما العلوم الفلسفية واللاهوتية التي يجب إلا تبقى عندهم مجرد نظريات علمية، بل ان تتسرب إلى صميم حياتهم، لكي يحيوا ما يتلقونه في شأن الله وتدابيره، وفي شأن الكنيسة ومؤسساتها، وفي شأن الإنسان ومقتضياته. وعلى الطلاب ألا ينسوا هذه الحقيقة : ان الحرف يقتل، واما الروح فيحيي، وان العلم القليل ينفخ الإنسان ويدفعه إلى الكبرياء، واما العلم الكثير والعميق والرصين فيقود إلى الله عن طريق التواضع والخدمـة.
ج : راعـويـًا
يحتاج طالب الكهنوت، منذ سني دراسته في المعهد، إلى التمرّن على ما سيكوّن حياته ورسالته في المستقبل. عليه ان يتعرف أكثر فأكثر إلى المجتمع، ويطّلـع على احتياجاته الروحية والإنسانية، وذلك عبر قنوات رصينة : المسؤولين الدينيين، المرشدين، المعلمين، الزملاء الكبار، إلخ... وذلك لئلا يباغته الكهنوت، وكأنه سقط من كوكب فضائي إلى العالم الأرضي، فانغمس في صعوباته ومآسيه غير المتوقّعة. كـلا ! عليه ان يختبر الحياة من مختلف نواحيها، وان يعلم ما فيها من الخير والشر، لكي يكون اختياره صحيحًا وواعيًا وموجّهًا دومًا إلى خير الإنسان، ولا سيّما إلى خير ومساعدة الذين يُعهَدون إلى رعايته. أجل، عليه ان يتعلم فـنّ رعاية البشر : ان يكون مثل المسيح، " الراعي الصالح " الذي يحبُّ خرافه ويهتم بها ويقودها دومًا إلى المراعي الخصبة ويدافع عنها، بل يبذل عنها ذاتَـه، إذا دعا الأمر.
وهنا اتذكر كيف كنا، ونحن بعد تلاميذ، نرافق كاهن الرعية في العطلة الصيفية في زيارة العوائل وتفقّد احوالها وحل مشاكلها. كم تعلّمنا من هذه الخبرة الراعوية. فكم اتمنى ان يتدرب المرشحون للكهنوت على الاحتكاك بالمؤمنين وخدمتهم وعلى طريقة التعامل معهم، في سبيل توجيههم إلى المسيح الذي يجب ان يكون دومًا القطب الأكبر الذي يجتذبنا ويجتذبهم إليه. واناشد المسؤولين ان يعلّموا الكاهن الجديد كيف يحب الجميع، وكيف يجب ان تنبثق من هذه المحبة جميع مواقفه وتصرفاته مع المؤمنيـن. ومن هذه المحبة تأتي ثمار الروح التي يعددها القديس بولس حينما يقول :" اسلكوا سبيل الروح... اما ثمر الروح فهو المحبة والفرح والسلام والصبر واللطف وكرم الأخلاق والإيمان والوداعة والعفاف " (غلاطية 4/22ء ).
فيا أخي الكاهن، حذارِ من روح التسلّط على المؤمنين الأحباء. إنهم أبناؤك واخوتك في المسيح. فلا داعي إلى الاستعلاء عليهم، ولا إلى معاملتهم بقساوة وخشونة وكأنهم عبيد لك. وأيًا كانت مواقفهم ونفسياتهم، فان قلبك الأبوي يجب ان يكون مفعَمـًا بالمحبة والرحمة والحنان في جميع الأحوال. تذكّروا ما يقوله الحكيم : ان العسل يجتـذب الكثير من الذباب، اما الخـلّ فيُبعـدها !
الكـاهـن اليـوم
يريد المسيح ان يكون كاهن اليوم مستعدًا لمجابهة قوى الشر والظلام المنتشرة في العالم، بل في عقر داره، أي في رعيته أحيانًا، وان يجابه أيضًا التيارات المسيئة التي تحاول ان تجرف الناس وتبعدهم عن أهداف حياتهم الأساسية.
لذا يريد المسيح ان يكون كاهن اليوم " واقفًا " أي حاضرًا امام الرّب ومستعدًا ليقوم بما يريده منه في كل لحظة، وان يكون كاهن اليوم " مستقيمـًا "، أي ان تكون حياته كلها حسب نهج دعوته ورسالته بدون انحراف، وان يكون كاهن اليوم " ساهـرًا "، أي ان يكون منتبهًا إلى نداأت الله ونداأت الإنسان، بدون ان يدع المجال للإهمال واللامبالاة في حياته اليومية.
ولكن يا للدهشة ! فما إن يبدأ الكاهن الجديد حياته الراعوية كمسؤول عن خورنة معيّنـة، حتى تكتنفه الصعوبات وتنهال عليه المشاكل، وكأنها على موعد معه : مشاكل روحية، معضلات مادية، بالاضافة إلى المشاكل العاطفية وإلى شؤون الكنيسة المتراكمة. انها مشاكل قمينة بأن تغرق الكاهن في الفوضى والارتباك، ما لم يكن قد أرسى أسسَ حياته على المسيح، ووضعَ فيه ثقتَـه الكلية وعاش تحت أنظاره الدائمة.
الكاهن والعزل
ان كاهن اليوم، سواء كان في المدينة أو في القرى والأرياف، يعاني من عزلة رهيبة. فهو يشعر بكونه مهمَـلاً ومتروكًا وشأنه. فلا يتلقى تشجيعًا ولا توجيهًا ولا تنبيهًا مـن رؤسائه المسؤولين عنه، ولا من اخوته الكهنة الذين لا يلتقيهم إلا في مناسبات (أكاليل، دفنات، الخ...) واحيانًا لبعض جلسات المرح بين بعض الكهنة... فلا غبطة البطريرك، ولا السادة الأساقفة الأجلاء يبدون اهتمامًا أبويًا بالكاهن. انما اهتماماتهم تنحصر في الامور الرسمية وفي نطاق اشغالهم أو مصالحهم الخاصة. اما الكاهن، فعليه ان يتدبر شؤونه. لكن الويل له إن زلّت قدمه قيد أنملة، فتنهال عليه التوبيخات والتقريعات والإجراأت التي لا ترحـم !
وبالنتيجة فان كاهن اليوم، ما لم يكن له أساس عميق في المسيح وحياة روحية متينة، يتصرف كما يشاء، ويقوم بأمور تطيب له، بل ينجرف وراء أمور مخالفة لدعوته ورسالته الكهنوتية، أو انه ينصرف إلى حياة كسل ونوم، وكأنه لا هدف له في الحياة ! والحياة التافهة التي يعيشها تقود حتمًا إلى نوع من الركود والتشاؤم والتذمر على الكل وعلى كل شيء، وربما إلى الندم على اختياره هذه الطريقة من الحياة، ولكن لاتَ ساعة مندَم !
ربما سيرى البعض من القراء الأحباء في كلماتي هذه شيئًا من المبالغة أو مسحة من التشاؤم. لكني استند فيها إلى خبرتي الشخصية، وإلى خبرة العديد من اخوتي الكهنة الذين يدلون بشهادات عفوية عن احوالهم ومعاناتهم وعن الصعوبات التي يتعرضون لها في سبيل الالتزام بالحياة الكهنوتية والقيـم الانجيلية التي تعهدوا بالسير على نهجها.
فيا أبانا البطريرك، ويا سادتنا المطارنة الأجلاء، إلى متى تتركون كهنتكـم في هذه الحال، التي تنعكس حتمًا على رسالتهم، بل على حال كنيستي كلها، وهي سائرة نحو انحطاط مستمر، وهي بأمس الحاجة إلى من يُنهضها ويرفع شأنها. وهل لديكم، يا اصحاب الغبطة والسيادة شيء اثمن وافضل من الكنيسة التي ائتمنكم المسيح عليها، والتي سيطالبكم ويحاسبكم يومًا على طريقة رعايتكم لها ؟ فالكنيسة أولى من مهماتكم الشخصية، وأفضل من جميع مصالحكم، واثمن من كل الكنوز والمقتنيات التي تركضون وراءها والتي تمارس على بعض منكم، ويا للأسف الشديد، تأثيرات بل ضغوطًا عاتية، حتى تكاد ان تستعبدهم ! ألم يحن الأوان لكي تفكروا في إنقاذ كنيستكم من حالتها البائسة ؟... عسى ان يكون السينودس القادم فرصة مؤاتية يقدّمها لكم ربُّ الكنيسة لمزيد من الإهتمام بها.
4ء الشمامسـة والعلمانيـون
إذا انحـدرنا درجة أخرى في الهرم الكنسي وفي السلطة التراتبية في كنيستي، التقينا الشمامسة والعلمانيين.
أما " الشمامسة الانجيليون " فعددهم ما يزال قليلاً في كنيستي، ومعظمهم موجَّه نحو الكهنوت. أما الآخرون، مع الشمامسة الرسائليين والقارئين وغيرهم، فدورهم يكاد يقتصر على اشتراكهم في الاحتفالات الليتورجية. إنهم ينعشون الصلوات الفرضية صباحًا ومساء، وينظمون القداديس والاحتفالات الدينية الأخرى. وبعد ذلك، لا شأن لهم في الأمور الكنسية، بل عليهم ألا يتدخلوا في هذه الشؤون الخاصة بالأساقفة والكهنة، وان يعودوا إلى مواضعهم واشغالهم وعوائلهم في العالم، ويتركوا الكهنة أحرارًا في تدبير الكنيسة وشؤونها كما يشاؤون.
أما " المؤمنـون "، الذين يُطلَق عليهم لقب " العلمانيين "، فإنهم يشكلون القاعدة في هرم الكنيسة، ولكنها قاعدة واسعة وراسخة اليها يستند بنيان الهرم الشامخ. الا ان هذه الشريحة من الكنيسة لا تحظى في الغالب بالقدر الكافي من المسؤولية والعمل في كنيستي. قالوا وقلنا ونقول ان كنيسة المسيح لا تتكون من الرؤساء على مختلف أصنافهم فحسب، بل من جميع المنتمين اليها، من كل الأعمار والأجناس والأعراق والألوان والذهنيات والقوميات. كنيسة المسيح تضمُّ جميع المعمَّدين بالماء والروح، بالفعل ام بالشوق. وعلى جميع أبناء كنيستي ان يشتركوا في بنيانها وتقدّمها وازدهارها، وان يتعاونوا لجعلها على مستوى مسؤولياتها في عالم اليوم، فيظهر وجه الكنيسة من خلالهم بهيًّا ومشعًّا ومتفائلاً ومفعمًا بالدينامية.
كلنا نعلم ان كل مسيحي، بفعل عماده وتثبيته، كاهن ورسول في هذا العالم. ومن ثمة عليه الا يستسلم إلى الراحة طالما هناك أناس يحتاجون إلى نور الانجيل. لذلك يترتب على كنيستي ان تكون حية ونشطة ودينامية من خلال جميع فئات مؤمنيها. فإن روح العنصرة هو الذي يهبُّ عليها وينعشها ويدفعها إلى غزو العالم للمسيح وللقيم الروحية السامية. فعليها ان تعطي المجال دومًا لروح الله ليقودها حيث يشاء، وان تبذل جميع جهودها لكي تتجاوب مع نداأت هذا الروح الإلهـي ومع متطلبات دعوتها في العالم. عليها ان تكون ساهرة على حقيقة المسيح : ان تحياها وتعلنها وتدعو الجميع إلى الانضمام اليها. فإن رسولية الكنيسة تظهر في حيوية أبنائها المؤمنين والتزامهم الأمين بجميع واجباتهم، وبالسهر على صفاء الحياة الروحية والتعليم الإنجيلي فيها، وألا يعطوا مجالاً لفئات غريبة لكي تصطاد فيها في الماء العكر، فتزرع فيها الزؤان، وتجتذب بعضًا من أبنائها بمختلف الوسائل، ولا سيّما بالوسائل المادية، بينما تستسلم كنيستي إلى حياة الكسل والنوم. ولا يحق لكنيستي ابدًا ان تنحي باللائمـة على هذه الفئات، بل عليها ان تكون أكثر منها إشعاعًا ودينامية وجاذبية، من خلال مختلف الفعاليات التي من شأنها ان تجتذب الناس وتقرّبهم مـن المسيح.
فيا كنيستي الحبيبة، انكِ مؤتمنة على المسيح. وإذا كان المسيح هو الكرمة الحق، فالمؤمنون كلهم اغصان في هذه الكرمة المقدسة. والجذع وحده لا يثمر، والاغصان وحدها لا تثمر، ما لم تكن متّصلة بالجذع، وما لم تتلقَّ منه الماوية المنعشة. وإذا كانت كنيستي سر المسيح للعالم، فالمؤمنون هم قنوات لنقل هذا السر إلى العالم. وكم يطيب لي هنا ان أتبنى كلمة الطوباوي الجديد الأب يعقوب الكـبوشي الذي قال : " عارٌ على المسـيحيين إن استراحوا، بينما يتعب أهل العالم ! ".
واقول لمؤمني كنيستي الأحباء : انتم مسؤولون عن كنيسة المسيح على أرض البشر. فلا يحق لكم ان تتنازلوا عن هذه المسؤولية مهما كانت الذرائع، بل اضطلعوا بها بكل قواكم، وسيروا في خدمة كنيستكم وفي إنعاشها، ولا تتوقفوا امام المعاثر والشكوك التي قد تلاحظونها في سلوك البعض من اخوانكم أو رؤسائكم. المسيح هو هو، امس واليوم وإلى الابـد، وسيبقى مع كنيسته إلى انقضاء العالم. فلا يخيفنَّكـم شيء، ولا يقلقنَّكـم شيء : الله وحـده يكفي، كما قالت القديسة تريزة الكبيرة.
وما شأن الرهبـان والراهبـات في كنيستـي ؟
ليس لي هنا إلا ان اقف إجلالاً وتقديرًا امام طوابير الرهبان والراهبات الذين يضمنون أصالة الحياة الروحية في العالم. فأتمنى ان يكون هؤلاء، مع المكرسين والمكرسات الآخرين، العيون الساهرة في كنيسة المسيح في عراقنا الحبيب والقلوب النابضة التي تخفق حبًا وحنانًا وعطاءً للجميع، وان يحملوا على عواتقهم مسؤولياتهم الاساسية بإيمان جاّد وثقة بالله لا حد لها، وان يشهدوا بحياتهم لحقيقة المسيح، وبفقرهم لتجرد المسيح، وبصفائهم لنقاوة المسيح، وبغيرتهم لعطاء المسيح وسخائه اللامحدود تجاه الناس أجمعين. فانه المعين الذي لا ينضب ويقبل جميع الآتين اليه بدون استثاء ولا استنطاق... وهنا لا يسعني سوى ان التمس صلاة اخواني الرهبان واخواتي الراهبات، وبقية المكرسين والمكرسات في الكنيسة، هنا وفي العالم كله. فانا اؤمن بالصلاة وبقوتها وبإسهامها الفعّال في حفظ الإيمان المسيحي في هذه البلاد الحبيبـة.
جء كنيـستـي إلى أيـن ؟
وهذا هو المحور الأخير الذي اتطرق إليه بايجـاز.
إن كنيستي اليوم في منعطف خطير وامام مستقبل غامض. وقد تعرضت في هذه السنوات الأخيرة لهزّات عنيفة دفعت نحو نصف مؤمنيها إلى مغادرة البلاد. وهذا ما أدّى إلى ضعف كبير في كنيستي وامكاناتها البشرية ونشاطاتها الروحية والاجتماعية. وكان من شأن هذه الظروف ان تدفع كنيستي إلى القيام بمراجعة شاملة ونزيهة وعميقة وواقعية لحياتها، وإلقاء نظرة جديدة على واجباتها الجديدة لكي تتجاوب مع متطلبات المؤمنين حيثما كانوا، في الوطن أم في المهجر. اليس هذا الوضع نداء يدعو كنيسـتي إلى العودة إلى أصولها وينابيعها الروحية الأصيلة ؟ اليست هذه صرخة تطلقها الأوضاع لتقول لكنيستي ان تلتزم بمُثلها العليا الأساسية : بالفقر الرسولي الذي يعني تجرد القلب والتحرر من عبودية المادة، وبروح العطاء والسخاء البعيد عن الجشع وحب المال الذي طالما تُتّهـم به كنيستي ورؤساؤها ؟ اليس هذا نداءً ملِحـًّا يدعو كنيستي إلى التحرر من كل ما يرمي إلى استغلالها لمصالح خاصة أو عامة. كنيستي حـرّة، ويجب ان تبقى حـرّة لا يغريها شيء في العالم، لا الأموال ولا المناصب، ولا يعيق خدمتها المتواضعة أي ضغوط أو تأثيرات، أيًا كان مصدرها.
امام كنيستي خطـة ترسم لها حياتها ورسالتها بوضوح. إنها خطة الإنجيل ورسالة المحبة ونشر البشرى السارة بجميع الوسائل المتاحـه لها. وهذه الخطة تقتضي منها الأمانـة والاتّزان والاستمرارية بدون أي انحراف
كنيستـي والسيـاسـة
إنه سؤال طالما يُطرَح في المجتمع. لكن كلمات المسيح لتلاميذه واضحة. فهو يقول لهم : انتم " في " العالم، ولكنكم لستم " من " العالم. كلمات لا لبس فيها ولا غموض. فأبناء الكنيسة بشريون مثل سائر الناس ومضطرون إلى العيش في مجتمعات بشرية متنوعة، وإلى التعاون مع اخوتهم البشر حيثما كانوا، في سبيل بنيان مجتمع يقوم على أسس صحيحة وثابتة، أسس المحبة والعدالة والسلام. فلا يجوز للمسيحي ان يتهرب من واجباته الاجتماعية، أيًا كانت الظروف أو الضغوط، بل عليه ان يسعى ليستخدم جميع الوسائل الممكنة للخير ومساعدة الإنسان في سبيل الحصول على حياة كريمة في عالم مشبع بالمظالم والمساوىء والاستغلال والاستعباد. فنحن إذًا في العالم، ويجب ان نبقى في العالم عناصر خير ومحبة. ولكن علينا ألا ندع روح العالم يتسرب إلى نفوسنا ليشوّهها ويجعلها تحيد عن مسارها الصحيح. لقد قبلنا روح المسيح، ويجب ان يبقى روح الإنجيل حيـًّا وفعّالاً في نفوسنا، بل مؤثرًا ومعديًا إلى الآخرين...
كنيستي مدعوة ألا تكون غريبة عن هذا العالم وشؤونه، ولكن بدون ان تلوّث بهاءَهـا. وتشكّل السياسة اليوم شأنًا مهمًا جدًا في بلدان العالم كله. وهذا لا يجيز لنا ان ننسى أيضًا ما قيل في السياسة : " ما إن دخلت السياسة أمرًا إلا أفسدته ! " هذا مع احترام كنيستي العميق لرؤساء البلدان وساستها، فإنها تريد ان تبقى محايدة، بل حرة، كما قلنا سابقًا، وألا تدخل ضمن نطاق ضيق من الأديولوجيات والأفكار والمقاييس والمساومات البشرية. فسياسة المسيح كانت سياسة المحبة. هكذا يجب ان تكون سياسة كنيستي أيضًا، ولا سيّما ان السياسة في كل الأزمنة تستخدم معايير وموازين ليست مستوحاة حتمًا من روح الانجيل، بل هي متناقضة احيانًا معه، حتى في البلدان التي تدّعي بكونها مسيحية، أو لنقل لها صبغة مسيحية.
المـعـضلة الخطرة
هنا نحن أمام معضلة خطـرة أسالت الكثير من الحبر، وشغلت العديد من القنوات الإذاعية أو التلفزيونية، وملأت الكثير من الحقول في الانترنت وغيرها من وسائل الإعلام. والقضية مطروحة منذ نحو نصـف قرن.
أجل، منذ عقود عديدة من الزمان، ينادي بعض المغاليـن من القوميين المسيحيين بإنشاء دولة أو دويلة ء سهل نينوى بالتحديد ء تنعم بحكم ذاتي، ويسكنها مسيحيون من مختلف الفئات (كلدان – اشوريون – سريان) وتحكم ذاتها بذاتها، وهي تهدف إلى إحياء ذكرى الامبراطورية الاشورية، التي كانت مدينة نينوى (قوينجق) احدى عواصمها الكبرى. وقد زالت نينوى، شأن سائر عواصم العالم القديم، وذلك منذ سنة 612 قبل الميلاد. وزالت كذلك الامبراطورية الاشورية مع مجدها العظيم وسلطتها الواسعة، وتشتت الاشوريون شذر مـذر في طول بلاد بين النهرين وعرضها.
وانا لا أريد ههنا ان اقتحم هذا المعترك الشائك، ولا ابغي ان اجرح شعور اي إنسان حر في تفكيره وامانيه، ولست ارمي إلى معالجة هذا الموضوع من الناحية السياسية. ففي وسع القوميين الجدد ان يفكروا كما يشاؤون، وان يوطّدوا أمانيهم على ضروب من الخيال أو على أحلام اليقظة، وقد كلّفتهم هذه الأوهام اثمانا باهظة في العهود السابقة من الحكم في العراق, وما يدعو إلى الاستغراب انهم ما يزالون ء ويشدة متزايدة ء متمسكين بأفكارهم وطموحاتهم !.
لقد قلتُ وأكرّر ان كنيستي يجب ان تبقى حـرّة، وألا ترتبط بالسياسة والأحزاب والمحسوبيات. في وسعها ان تستفيد من مساعدة جميع المحسنين من ابنائها ومن الغرباء. ولكنها يجب ان ترفض رفضًا قاطعًا ان تُستغلَّ لأهـداف غريبة عن أهدافها السامية ولقيم مضادة لقيمها الانجيلية. فكنيستي تشكر جميع الذين مدّوا وسيمدون لها يد المعونة في هذه الظروف الحرجة. ولكنها ترفض ان تُستعبَـد لأحد، أيـًا كان. اما ان تُجَـرَّ كنيستي إلى اتّخـاذ خطوة قد تؤدي إلى ما لا تُحمَـد عقباه، فهذا أمر ترفضه رفضـًا قاطعًا.
فإن الكنيسة التي أسسها المسيح على هذه الأرض لم يعيّن لها رقعة خاصة ولا بلادًا تضمّها، بل قدّمَ لها العالم كله حقلاً لرسالتها. فقد قال لرسله : " اذهبوا إلى العالم كلـه... " ولم يقل، مثلاً ، " توجّهوا إلى الجليل، وأسسوا فيه دولة أو مملكة ".... لكان، والحال هذه، قضى على كنيسته بالتقوقـع، وبالانعزال والزوال. وما أكثر الأمثال التي ضربها لكي يُطلعنا على صفات كنيسته. فهو يقول تارة لتلاميذه : انتم نور العالم، والنور من طبيعته يشعُّ على جميع الذين هم تحت حكمه، بغضّ النظر عن انتماأتهم. وقال لهم أيضًا : انتم ملح الأرض، أي الملح الذي يعطي الطعم والمذاق الطيب للعالم، ويقيه من الفساد. ولم يقل ذلك عن بلد أو بلدان محدودة، بل عن الأرض كلها. وقد شبَّـهَ المسيح ملكوته أي كنيسته بالخميرة التي توضع في العجين ليختمر كلـه. ويجب ان تتسرب هذه الخميرة في العجين كلـه، لكي تمارس فيه عملها المغيِّـر. وما الفائدة من الخميرة إذا فُصلت عن العجين ؟ فلا العجين يختمر، ولا الخميرة تؤدي دورَها المنتظَر، بل تمسي بلا فائدة، وتجفُّ وتُرمى خارجًا...
ومنذ البداية، أدركت كنيستي دورها ورسالتها في العالم. وحيثما انتشرت الديانة المسيحية، انتشر معها هذا المنظور الشامل. ومنذ نهاية القرن الميلادي الأول، انتشرت المسيحية في بلاد الرافدين، وتوخّت نشر الحقيقة والمحبة بين جميع شرائح الشعب في هذه البلاد التي كانت كلها مسرحًا لرسالتها. فتجذّرت فيها الكنيسة بعمق، ونمت، وعاش المسيحيون مع الشعوب التي تعاقبت في السلطة على هذه البلاد، من فرثيين وساسانيين وعرب وغيرهم... وعرفت ان تفتح قلبها لتضمَّ محبتها جميع الشعوب والديانات. ذلك لأنها تستمدُّ نظرتها إلى الإنسان من نظرة الله نفسه : كل الشعوب والأمم أبناء له أحبّـاء، وهو يريد للجميع الخير والخلاص. فكنيستي تريد ان تعيش بين جميع شعوب العراق، وتنقل إلى الجميع محبةَ الله ورحمته. فهل يجوز ان نفصلها ونعزلها لنجعل منها دولة خاصة ؟ لقد تعلمنا من خبرة الأجيال الطويلة ان جميع البلدان التي ادّعت بكونها " مسيحية "، أساءت إلى المسيحية في الواقع أكثر مما نفعتها.
فأنا شخصيًا ارفض ان تُحبَس كنيستي، أيا كانت التسميات التي أُلصقت بها، في موضع أو رقعة خاصة تعرّضها لخطر مميت، إذ تجعلها بين المطرقة والسندان : مطرقة الأكراد وسندان العرب ! في حين ان المسيحيين يعيشون منذ البدء في إخاء وتعاون مع العرب، وفي تفاهم وتضامن مع الأكراد، ويريدون ان يعيشوا كإخوة مع الجميع، وان يبنوا الوطن مع الجميع، كما اشتركوا مع الجميع في المصائب التي حلّت بهذه البلاد، ويحق لهم ان ينعموا أيضًا مع الجميع بالسعادة والرفاهية والسلام في المسقبل.
****************
هذه هي كنيستي كما اتمناها اليوم، وكما يريدها المسيح : كنيسة حيـة، ديناميـة، تسعى دومًا إلى الخير، وتريد ان تقدّم لعالم اليوم وجـهَ المسيح المشرق الجذاب، وجهَ الحقيقة والمحبة، وجه الخدمة المتواضعة، وجه الانفتاح والعطاء والسخاء اللامحدود في سبيل إنسان اليوم.
وارفع كل يوم صلاتي إلى الرّب لكي يبقى دوما مع كنيسته وفي كنيسته، لئلا تتبعثر جهودها وتتعثّر مسيرتها في دروب المصالح الأنانيـة... يا رب، ابقَ دومًا في كنيستك، ورافقها في جميع مراحل حياتها، لتعلن الحق والحب والسلام للجميع، لمجـد اسمـك القدوس،
آمـيــن/ منقول للامانه والفائده
- سامي ادم البجواياالمؤسس والمدير العام لموقع بجوايي كوم
رد: كنيستي الى اين بقلم العلامه الكبير البير ابونا الجزء الثاني
الجمعة سبتمبر 30, 2011 10:22 pm
اقف اجلالا واحتراما وتوقيرا لأختياراتك الراقية
مأراوع ذوقك الذي يصول ويجول في زوايا الحياة
باحثاً عن الحقيقة التي هي المسيح.
ان مانشرته من موضوع هو الدواء لداء حياتنا
لأن الكنيسة وللأسف الشديد هي ليست تلك الكنيسة التي ارادها يسوع
والأسباب كثيرة واعتقد ان العلامة الكبير الأب البير ابونا قد ذكرها
لقد ذكر المضمون ولم يذكر التفاصيل لأنه لايريد جرح احدهم
ولايريد الأشهار بالسلبيات لأنه احبها ولايريد ان تسوء سمعتها امام الأغراب
املاً من الرب القدير الروح القدس ان يجدد العنصرة في كنيستنا
ولكم تحياتي
سامي ادم البجوايا
مأراوع ذوقك الذي يصول ويجول في زوايا الحياة
باحثاً عن الحقيقة التي هي المسيح.
ان مانشرته من موضوع هو الدواء لداء حياتنا
لأن الكنيسة وللأسف الشديد هي ليست تلك الكنيسة التي ارادها يسوع
والأسباب كثيرة واعتقد ان العلامة الكبير الأب البير ابونا قد ذكرها
لقد ذكر المضمون ولم يذكر التفاصيل لأنه لايريد جرح احدهم
ولايريد الأشهار بالسلبيات لأنه احبها ولايريد ان تسوء سمعتها امام الأغراب
املاً من الرب القدير الروح القدس ان يجدد العنصرة في كنيستنا
ولكم تحياتي
سامي ادم البجوايا
- ادم ريحان كوركيسعضو شرف دائم
رد: كنيستي الى اين بقلم العلامه الكبير البير ابونا الجزء الثاني
الأحد أكتوبر 02, 2011 12:30 pm
العزيز ابا ايفان نتمنى ان يتاثر رعاة الكنيسة بهذا الكلام darkred] ]عزيزي ابو ايفان الورد بعثت لك رسالة خاصة طلبت فيها رقم تلفونك ولم ترد على الرسالة واخذت رقم الموبايل من سامي وخابرتك امس ولم ترد لذا ارجو ان ترسل
لي رسالة فيها رقم هاثفك البيت والموبايل مع الود
- نبيل شماشامعاون المشرف العام
رد: كنيستي الى اين بقلم العلامه الكبير البير ابونا الجزء الثاني
الإثنين أكتوبر 03, 2011 4:02 pm
شكرا على مرورك الرائع ياابو قابيل الورد
- زهير توما البجوايامشرف القسم الرياضي
رد: كنيستي الى اين بقلم العلامه الكبير البير ابونا الجزء الثاني
الإثنين أكتوبر 10, 2011 12:08 pm
الى شماسنا العزيز نبيل
بصراحــه رائع جدا هذا الموضوع
بصراحه انت تمتلك ذوق راقي في جـلب ماهو مميّز وجميل
دايما كلاماتك ترتدي ثوب التميز والابداع الثقيلان
صح أحساسك ولسانك ودام توهجك
يجبرني قـلمك دوما أن احلق بعيد حيث الإبداع
اللا متناهي والجمال الخلاب والكلمة الراقية الفذه
صانع راقي للحروف تنسجها بإحترافية عالية تنم عن فكر متميز ومتفرد
اسجل اعجابي بقلمك ياطـهروسيكون لي موعد مع جديدك دوماالرائع
بصراحــه رائع جدا هذا الموضوع
بصراحه انت تمتلك ذوق راقي في جـلب ماهو مميّز وجميل
دايما كلاماتك ترتدي ثوب التميز والابداع الثقيلان
صح أحساسك ولسانك ودام توهجك
يجبرني قـلمك دوما أن احلق بعيد حيث الإبداع
اللا متناهي والجمال الخلاب والكلمة الراقية الفذه
صانع راقي للحروف تنسجها بإحترافية عالية تنم عن فكر متميز ومتفرد
اسجل اعجابي بقلمك ياطـهروسيكون لي موعد مع جديدك دوماالرائع
- نبيل شماشامعاون المشرف العام
رد: كنيستي الى اين بقلم العلامه الكبير البير ابونا الجزء الثاني
الإثنين أكتوبر 10, 2011 10:44 pm
شكرا لك اخي زهير على مرورك اكثر من رائع نحن نصلي دائما الى رؤسانا الروحانين ان يتحلوا بالحكمه للقيادة كنيستنا الى مبتخاتها والى مايريده يسوع له المجد لتكون ممجده بلا عيب ونقيه طاهره وكلنا امل لكي نشاهدها كذلك وشكرا لك
- kabeel adamعضو مميز
رد: كنيستي الى اين بقلم العلامه الكبير البير ابونا الجزء الثاني
الإثنين أكتوبر 10, 2011 10:58 pm
شكرا لك كثيرا لجعلنا نتطلع على هذه المواضيع الجميلة
- نبيل شماشامعاون المشرف العام
رد: كنيستي الى اين بقلم العلامه الكبير البير ابونا الجزء الثاني
الإثنين أكتوبر 10, 2011 11:19 pm
شكرا لك يا اخ قابيل على مرورك الجميل من الامور الجميله التي يجب على الانسان ان يتعلمها هي الامور التي تدور من حوله ويجب ان يتطلع عليها ولاسيما امور الكنيسه التي هي جسد المسيح والرب يرعاك
- كنيستي الى اين بقلم العلامه الكبير البير ابونا
- كنيستي تفتقر الى رعاة لاهميه الموضوع ارتاينا نشره في موقعنا العزيز
- تاءملات في الكتاب المقدس الباب الثاني بقلم الاستاذ حسام الدين خازم بزوعي
- ((الجزء الثاني)) قراءة تحليلية شاملة للمنتخب الوطني....رحلة الاسود الى البرازيل
- صرختنا من يسمعها : بقلم الكاتبه سهى بطرس
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى