bidaro net بيدارو نت
أهلاً وسهلاً بكم في منتديات
بيدارو نت
موقع عام وشامل
للأخوة الراغبين بالتسجيل
يرجى الأطلاع على التعليمات
مع التقدير ،،

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

bidaro net بيدارو نت
أهلاً وسهلاً بكم في منتديات
بيدارو نت
موقع عام وشامل
للأخوة الراغبين بالتسجيل
يرجى الأطلاع على التعليمات
مع التقدير ،،
bidaro net بيدارو نت
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
goweto_bilobed goweto_bilobed goweto_bilobed
,, أهلاً بأخي وصديقي الإنسان، من كان ومن أين ماكان ,,
goweto_bilobed goweto_bilobed goweto_bilobed

اذهب الى الأسفل
بيدارو العراق
بيدارو العراق
الأدارة العامة
الأدارة العامة

قديسات وملكات في نجران .. Empty قديسات وملكات في نجران ..

الثلاثاء يناير 17, 2012 12:00 am
قديسات وملكات في نجران

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

من كتاب: قديسات وملكات من المشرق السرياني وجزيرة العرب،
تأليف : سِبَستيَن برُك وسوزان هارفي،
ترجمة : فريدة بولص وميسون الحجيري،


--------------------------------------------------------------------------------

قديسات وملكات في نجران


مقدمة الطبعة العربية

المساواة بين المرأة والرجل

تنطلق الديانات السماوية في نظرتها إلى المرأة من عملية الخلق. فالله تعالى خلق الإنسان على صورته ذكراً وأنثى خلقهم. ولكن المرأة مرت في عصور وظروف تباينت فيها نظرة المجتمع إليها، وفي أغلب الأحيان تحكم الرجل بالمرأة. ونما هذا التحكم إلى حد الاستبداد والتعسف. فتنادت أوساط أخرى لتغيير أوضاع المرأة في مختلف مجالات الحياة. وأدت هذه المناداة إلى الدعوة لتحرر المرأة. وتبنى هذا الفكر الرجل والمرأة على السواء، خاصة في المنظمات العالمية والمؤسسات الدولية. وحصلت قناعة بأن إنماء المجتمع لا يتحقق إلا بمساواة المرأة بالرجل في الكرامة والعيش اللائق والحرية والعمل. وقد دافعت المرأة عن رؤيتها وشاركت من أجل حضورها الكامل روحياً وثقافياً واقتصادياً وحضارياً، وحتى سياسياً.

هذا الكتاب: قديسات وملكات من المشرق السرياني وجزيرة العرب، تأليف سِبَستيَن برُك وسوزان هارفي، ترجمة فريدة بولص وميسون الحجيري، ينفي فكرة تسلط واستبداد الرجل على المرأة في مجتمع معيّن. القديسات من نوعين؛ الأول: شهيدات أثبتن حبّهن للسيد المسيح مؤسس الكنيسة. فالاستشهاد الذي يعني اصطلاحياً القتل في سبيل الله باب من أبواب إعلان المحبة الحقيقية للانتماء، يختاره الإنسان بإرادته. والمعنى الاشتقاقي الفقهي يدل على اشتقاق الكلمة من الشهادة. فاستشهد بمعنى سئل للشهادة أو طلباً للشهادة؛ والشهادة هنا هي للإيمان الذي يدين به الإنسان ويذود عنه. ففي مجتمع الكنيسة الأول المكون من الرجل والمرأة، كان من المفترض أن تنتهج المرأة نهج الرجل في الجهر بالإيمان، وإعلانه بقوة وجرأة، تثبت مساواة الرجل بالمرأة في قضايا إيمانية تؤدي في بعض الأحيان إلى الشهادة. وفي قراءتنا لقصص الشهيدات في هذا الكتاب نرى أن مواجهة التحديات لن تميز بين موقف المرأة وموقف الرجل؛ فنحن أمام قضية عنوانها الحق. هل إعلان الحقيقة مرتبط بالرجل فقط؟ أم على المرأة أن تشهد له أيضاً؟ لو كانت المرأة منزوية في هذا المجتمع، وليس لها من حقوق تتساوى فيه مع الرجل لبقيت بعيدة عن تقديم شهادة حق وهي في مواجهة هذا التحدي الكبير. وكما ورد في مقدمة هذا الكتاب، فإن سِيَر المئة والثمانية والخمسين من تاريخ أعلام النساء في القرن السابع الميلادي، هي شهادة كافية لإبراز دور المرأة في حياة المجتمع، حتى في الظروف الصعبة. وفي موضوع الشهادة والاستشهاد إبراز لدور الروحانية في حياة المرأة. فالحياة النسكية التي ليست بسهلة لم تكن حصراً على الرجال لأن في تاريخ السريان عدداً كبيراً من النساء اللواتي فضّلن الاتحاد بالله تعالى عن طريق العزلة على الزواج والاختلاط بالمجتمع.

وحتى عمليات التعذيب التي اتسمت بالعنف، لم تؤثر في تخفيف دور المرأة في الإجهار بالإيمان. فمن الشهادة إلى النسك فالقداسة كلها محطات تؤكد مساواة المرأة بالرجل تجاه الله وتجاه المجتمع. ما هو القاسم المشترك بين الأبعاد الثلاثة التي كونت شخصية المرأة في رسالتها للمجتمع؟ ربما تكون الفضيلة. فإذا ما تحلّت المرأة بالفضيلة فاق ثمنها اللآلئ، على حد قول الكتاب: تنطق حقويها بالقوة وتشد ذراعيها... تبسط كفيها للفقير وتمد يديها إلى المسكين... تفتح فمها بالحكمة. ففي سير الشهيدات والناسكات والقديسات في أزمنة مختلفة وأماكن جغرافية متعددة (لكن...) المرأة، مثل الرجل، تريد أن تتقي الرب لكي تُندَح (سفر أمثال 31: 30).

أما الملاحق فلها بُعد آخر لأنها تجمع بين الفضيلة والسلطة. فهذه ماوية العرب تباري النساء الذائعات الصيت مثل سميراميس وأرتنيزيا وكليوبترا وزنوبيا، والذي اختلفت فيه ماوية عنهن أنها لم تحظ كالأخريات بذرية تخلفها. ولكن رغم ذلك فإن مواقفها المعروفة ومآثرها الجريئة كانت يوماً الموضوع الذي تداولته قصائد شعراء عرب الجاهلية. وقد بقيت سيرتها ملحمة تفصّل قوة المرأة وجبروتها وسلطتها المقرونة بالحكمة، وقد تفوقت في ذلك حتى على الرجال. وعندما ننتقل إلى ثيودورا، يقف التاريخ بأسره وقفة دهشة وتعجب، ليس من جمالها الفائق وصفه وطلعتها البهية التي كانت سبباً من أسباب دخولها قصر الأباطرة، وإنما إيمانها بتعاليم الكنيسة ومواقفها من الانشقاق المرير الذي أدّى إلى تفتت جسم الكنيسة. فتجلت شخصية ثيودورا بانغماسها في معركة الانفتاح أو ما يعرف في أيامنا بالمسكونية، وضربت مثلاً في كيفية الجمع بين الإيمان والعطاء في شخصية المرأة التي تتبوأ منصباً بارزاً في السلطة.

فريدة بولص التي نقلت بأمانة هذا الكتاب من الإنكليزية إلى العربية أجادت في انتقاء التعابير التي جسّدت واقع حياة الشهيدات، والناسكات، والقديسات، والملكات، ليس لأنها حازت على إجازة في الأدب الإنكليزي عام (1974 م) أو لأنها تعمل منذ عام (1976 م) في تدريس اللغة الإنكليزية لطلاب المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، ولكن لأنها اختارت لها طريقاً في الخدمة تميزت فيها عن كثيرات من مثيلاتها. فمنذ عام (1976 م) تبسط كفيها للفقير وتمد يديها إلى المسكين من خلال عملها في الجمعية الخيرية. ثم تدرب نفسها على مطالعة الكتب الروحية والدينية من خلال عملها في مكتبة مطرانية السريان الأرثوذكس بحلب، وخدمتها في مركز التربية الدينية. وتنمي معلوماتها بعلاقاتها مع المجموعات الوافدة من أوروبا لزيارة القطر، ثم تمثيلها الكنيسة في مؤتمرات محلية وإقليمية وعالمية. فلقد شاركت في لقاءات في كل من قبرص، والأردن، وكريت، وجنيف، وتنزانيا، ومثلت المرأة في الجمعية العمومية الثامنة في هراري - زيمبابوي، خاصة في الاحتفال بنهاية عقد التضامن مع المرأة. ولها محاضرات وأحاديث عن المرأة وشؤونها في أماكن مختلفة. ومنذ عامين تقوم بإلقاء المحاضرات الدورية لعدد كبير من الرجال والنساء في الكتاب المقدس. كل هذه الخبرات في حياة فريدة بولص، مترجمة هذا الكتاب إلى العربية، أهّلتها لكي تعطي نكهة مميزة لكل كلمة في كل صفحة من صفحات هذا الكتاب. إننا نرى فائدة جزيلة من قراءة هذا الكتاب ليس فقط من القارئات إنما من القرّاء أيضاً.

المطران مار غريغوريوس يوحنا إبراهيم
(متروبوليت حلب للسريان الأرثوذكس)
حلب في 29/6/2000 م
(عيد الشهيدين مار بطرس ومار بولس)


شهيدات نجران

مقدمة:

تمّ استيلاء يوسف أسعر اليهودي الثائر على السلطة في مملكة حِمْيَر من الجنوب العربي في بداية القرن السادس، وأدى ذلك إلى مذبحة الحامية العسكرية الحبشية (المسيحية) التي كانت تقيم في العاصمة ظفر، ومن ثم بداية الاضطهاد المسيحي في أجزاء مختلفة من المملكة، فلما بلغ مار شمعون أسقف بيت أرشم السرياني نبأ استشهاد الكثيرين (ومنهم العديد من النساء) في بلده نجران، نشر الخبر بسرعة تعكس هذه الشهادات، على المستوى السياسي، صراع القوى بين الإمبراطوريتين العظيمتين الفارسية والبيزنطية، كما تعكس علاقاتهما بالممالك الأصغر في الحبشة وحِمْيَر ومملكة الغساسنة العرب (على الجانب البيزنطي) واللخميين (على الجانب الفارسي).

لفت استشهاد الحِمْيَريين خيال العامة وسرعان ما وجد مكاناً في تقويم جميع الكنائس. لذلك بقيت قصص الشهداء حَيّة في قائمة الشهداء باليونانية والسريانية والعربية والحبشية والأرمنية والجورجية. إن القيمة التاريخية لهذه المادة متفاوتة ولكن هناك ثلاث وثائق هي الوثائق السريانية ذات أهمية كبرى:

1) في رسالة من مار شمعون أسقف بيت أرشم، ومن الواضح أنها مكتوبة من الرملة في أثناء الصوم الكبير في عام (524 م) حيث كان س--افر إليها من عاصمة اللخميين حيرة النعمان (في 20 كانون الثاني من عام 524 م) برفقة الكاهن أبراهام بن يوفراسيوس الذي قد كان أرسله يوستنيان لأجل الصلح مع الملك اللخمي المنذر الثالث. وبينما كانوا في مخيم المنذر في الرملة وصلت رسالة رسول ملك الحِمْيَريين (أي يوسف) يعلن فيها للمنذر كل ما ارتكبه وفعل بالمسيحيين في مملكته وخاصة في نجران. فما يكتبه مار شمعون الأرشمي في رسالته الأولى هو كل ما حوته رسالة الملك من كلمات الملك ذاتها مع بعض التقارير الإضافية لشهود عيان والتي أحضرها أناس آخرون من نجران. إن هَدَفَيْ شمعون من الكتابة هما: أولاً: إنه كان يريد من مراسله شمعون رئيس دير جبول أن ينقل الخبر إلى أساقفة السريان الأرثوذكس الهاربين إلى مصر (بعد ارتقاء يوستينس الخلقيدوني (في عام 518 م) ليتمكنوا من حمل البطريرك الإسكندري على الكتابة إلى الملك الحبشي ويحرضه لإرسال المساعدة سريعاً. (وهي ملاحظة مكتوبة سريعاً مما تشي بالوصول اللاحق لهذه المساعدة). وثانياً: يتمنى مار شمعون الأرشمي أن تعرف (مدن المؤمنين -أي السريان الأرثوذكس- أي أنطاكية وطرسوس الكيليكية وقيصرية كبادوكية أورفا... إلخ) بأمر الاستشهادات حتى يُذكر هؤلاء الشهداء والشهيدات الجدد بشكل لائق.

2) (تقرير عن استشهاد الحِمْيَريين الأجلاء الذين نالوا إكليل الشهادة في مدينة نجران): هذه الوثيقة المكتشفة حديثاً متأخرة قليلاً في تاريخها وهي مسهبة في سردها للأحداث في ظفر ونجران. وينسبها محررها (شهيد) مثنياً على كاتبها شمعون الأرشمي ذاته. إنها أيضاً على شكل رسالة (لذلك يشار إليها عادة بالرسالة الثانية). ودوّن في النهاية أنها كتبت من مخيم جَبَلَة، ملك الغساسنة في (جبيثا) في تموز عام (519 م) وهذا التاريخ يتضارب مع تاريخ الاستشهاد المكتوب داخل الرسالة نفسها (تشرين الثاني عام (523 م! ويتضارب أيضاً مع تاريخ الرسالة الأولى (التي من الواضح أنها الرسالة المكتوبة بتاريخ أسبق) وهذه مشكلة محيرة سنعود إليها باختصار فيما بعد.

3) كتاب الحِمْيَريين: وهذا نوعاً ما عمل من الأعمال التي أنجزت فيما بعد، بعد تدخل ملك الحبشة (المسمى هنا كالب) بمجيئه شخصياً إلى حِمْيَر ليستعيد الحكم الحبشي هناك. لو أن الكتاب بقي بكامله لكان المصدر الشامل لجميع مصادرنا، ولكن لسوء الحظ تمزق المخطوط الأصلي في القرن الخامس عشر وأعيد جمع بعض أوراقه بإلصاق بعضها ببعض، وهو ظهارة لكتاب مخروم من أوله إلى آخره يحوي (ليتورجيات) سريانية (مقالة عن كتاب الحِمْيَريين للعلامة البطريرك أفرام الأول نشرت في المجلة البطريركية في العدد 24 نيسان 1983). ولكن يجب أن نشكر هذا الإنسان المجرم الجاهل لعمله التخريبي هذا في ظاهره، لأنه لولا عمله هذا ما كنا حصلنا على هذه الأجزاء الباقية المخرومة والمبتورة، ولحسن الحظ فإن فهرس المحتويات محفوظ بكامله تقريباً ولذلك نستطيع على الأقل أن نحصل على فكرة جدية عن محتوياته الأصلية. فمن الواضح أن الكتاب بشكله الأصلي يقدم تاريخ المسيحيين الشامل في حِمْيَر حتى عودة الملك الحبشي كالب إلى موطنه. وقد اقترح ناشر الأجزاء الباقية موبرغ أن المؤلف قد يكون سرجيوس أسقف الرصافة (سرجيوبوليس) الذي كان أيضاً في الرملة. ولكن أثبت عرفان شهيد أن المؤلف ليس إلا مار شمعون نفسه. على أية حال فهناك علاقة متينة جداً بين هذه الأعمال السريانية الثلاثة، وتوافق دائم بين نصوصها.

ومن أهم المصادر غير السريانية استشهاد أريثاس وهو قائد النجرانيين ويظهر أيضاً في الروايات السريانية حيث يدعى حارث بن كعب. هذه الروايات التي انتشرت في مناطق الخلقيدونيين موجودة باليونانية والعربية والحبشية والجورجية وهي مبنية إلى حد ما على المصادر السريانية المتطابقة مع أو على الأقل لها علاقة وثيقة جداً بتلك الأجزاء الباقية ومبنية على نصوص أخرى. تبدأ الرواية مثل كتاب الحِمْيَريين من التدخل الحبشي من قبل الملك نجاشي الحبشة (الذي يظهر في كتاب الحِمْيَريين وعلى عملاته النقدية ككالب، ربما يكون هذا الاسم هو اسمه في المعمودية).

إن عدداً من الأشخاص الوارد ذكرهم في قائمة الشهداء ورد أيضاً في نقوش الجنوب العربي باللغة السبئية. فمثلاً لدينا نقش باسم معدي كرب يعفر ملك سبأ يعود تاريخه إلى عام (631 م) من العصر السبئي ونقشان يذكران اسم الملك الذي جاء من بعده وهو يوسف أسعر الذي كان المحرض لقتل الشهداء، والذي يظهر في التقليد السرياني باسم (مسروق) وعند الروم والمسلمين باسم دوناس أو (دومنوس) أو ذو نواس من الملاحظ أنه لقب (بمعنى ذي الضفائر). (5) يعود أحد نقشي يوسف إلى عام (633 م) من العصر السبئي، وهو يذكر هدمه لكنيسة في ظفار عندما كان يهاجم الحامية الحبشية هناك.

فبعد أن احتل يوسف مدينة ظفار بالخديعة انتقل نحو الشمال إلى نجران. وهناك بعد حصار طويل حث قادة المدينة على فتح الأبواب واعداً إياهم بضمان سلامتهم، ولكنه مرة أخرى حنث بوعده وكان على المسيحيين أن يختاروا بين اعتناق اليهودية أو الموت.

حدثت أغلب الاستشهادات التالية في بحر أسبوع. بدئ بحرق الكنيسة وفي داخلها كثير من رجال الدين والعلمانيين. وكان عدد كبير من الشهداء من النساء، ويرد وصف مقتلهم في الروايات السريانية الثلاث كما يرد في الجدول الأول (الذي يشمل الحارث أيضاً).

في الترجمات التالية أخذت رواية أليصابات ورواية تهنة والنسوة النبيلات وخادماتهن وكل المرافقات لهن، من رَهْم ومَحْيا مقتبسة من الرسالة الثانية الجديدة بينما أخذت رواية حبصة وحية من كتاب الحِمْيَريين (توجد فقرة مختصرة عنهما في الرسالة الثانية). إن الشعور بالمرارة المتبادلة التي يشعر بها الإنسان بوضوح حيال استشهاد حبصة وحية تعود إلى حد ما إلى الحقيقة التالية: إن كتاب الحِمْيَريين مؤلف بعد بضع سنوات من كتابة الرسالتين حيث اشتدت ردود الفعل (عند مقارنة الوثائق السريانية الثلاث يتبين أن النعوت البغيضة التي تطلق على المضطهد اليهودي في كتاب الحِمْيَريين تنسب إلى مؤلف الكتاب وليس للشهداء أنفسهم).


إلى أي عام تعود الشهادات؟ لسوء الحظ لا يمكن تقديم إجابة مؤكدة، لأنه بالرغم من أن التفاصيل المأخوذة في المصادر الأساسية غالباً ما تبدو وكأنها معتمدة تاريخياً إلا أن التواريخ المتعارضة فيها تثير الشكوك وهذا ما يشوش أكثر مصداقية التاريخ الصحيح لأن الشهادات (التواريخ المطلوبة هي 518، 522، 523 م) تشكك في التسلسل التاريخي المطلق لعصر السبئيين.


إن التضارب ما بين العامين المثبتين في الرسالة الثانية أظهر الخلاف في المصادر السريانية، تاريخ الاستشهاد هو عام (523 م) في تشرين الثاني عام (835 م) من العصر السلوقي بينما تاريخ الرسالة نفسها هو تموز عام (830 م) من العصر ذاته في عام (519 م). ويمكن التوصل إلى خلاف آخر إذا قورنت تواريخ الشهادات الفردية في كتاب الحِمْيَريين (حيث لا يذكر أي تاريخ أو عام). في الجدول الثاني (التاريخ 25 تشرين الثاني الواقع في يوم الأحد من عام (518 م) و 20 تشرين الثاني الواقع في يوم الأحد من عام (522 م). ونظراً لأن مشاكل التسلسل التاريخي (الذي له صدى أوسع في سير الأحداث السياسية وانتقال السياسات الدبلوماسية!) ليست من اهتماماتنا المباشرة هنا نكتفي بلفت الانتباه فقط إلى وجودها.


أ) من الرسالة الثانية لمار شمعون الأرشمي:

إحراق الكنيسة

جمع اليهود رفات كل الشهداء وأحضروها إلى الكنيسة حيث كدّسوها. ثم أحضروا الكهنة والشمامسة الإنجيليين والأفدياقون والقرّاء، والمكرسين والعلمانيين رجالاً ونساء (وسنذكر أسماءهم في نهاية رسالتنا). فغصت الكنيسة من جدارها إلى جدارها بحوالي ألفي شخص حسب أقوال الذين قدموا من نجران، ثم جمعوا الحطب حول الكنيسة من الخارج وأضرموا النيران، وهكذا أحرقوا الكنيسة بكل من فيها.

أما بعض النساء اللواتي لم يقبض عليهن حينذاك فلما رأين الكنيسة تحترق وفيها الإكليروس والمكرسون والمكرسات أسرعن إلى الكنيسة وهن يتنادين قائلات: أيتها الصديقات، لنبتهج في تقدمة الكهنة العطرة! وهكذا وبأنفسهن اندفعن إلى داخل النيران واحترقن وهن على قيد الحياة.


أليصابات

كانت أخت الشهيد القديس الأسقف بولس شماسة تدعى أليصابات، تختبئ في بيت كان المسيحيون قد أخفوها فيه سراً. فلما علمت أن البيعة تحترق وفي داخلها المكرسون والمكرسات ورفات أخيها، خرجت من المخبأ وذهبت مباشرة إلى البيعة وهي تصرخ: سأذهب معكم إلى السيد المسيح، يا أخي، معك يا أخي ومع الآخرين جميعاً! هذا ما كانت تصيح لمّا وصلت إلى فناء البيعة. وعندما رآها اليهود هناك ألقوا القبض عليها قائلين: أدوناي أدوناي، أدوناي... إنها نجت من النار، هزمت النار بالشعوذة وخرجت! لكنها أكدت لهم قائلة: لم أغادر البيعة - حاشا، بل جئت من الخارج لكي أدخلها ولأُحرق مع عظام أخي ومع الكهنة أصحابه. أريد أن أحرق في البيعة حيث خدمت وأحرق مع عظام أخي! وكان عمرها حوالي سبعة وأربعين عاماً.

أمسك بها اليهود وأحضروا حبالاً دقيقة كالأوتار ولووا رأسها، ولفوا حول رأسها وركبتيها الحبال كما يقيد البعير وحنوا ذراعيها أيضاً ثم أدخلوا أوتاداً خشبية تحت الحبال وأداروها لتشد على الحبال حتى تغور في لحمها. فعلوا الشيء ذاته بصدرها وصدغيها ثم أحضروا بعض الطين وجعلوا منه إكليلاً ووضعوه على رأسها قائلين بهزء: اقبلي إكليلك يا شماسة ابن النجار! ثم جعلوا من الطين إناءً في الأعلى وغلوا بعض الزيت في مقلاة سكبوه وهو يغلي على قمة رأسها. وعندما احترق رأسها كله من الزيت قال لها اليهود: ربما كان هذا بارداً نوعاً ما بالنسبة إليك؟ هل ترغبين في تسخينه ثانية!؟ لم يكن بمقدور المغبوطة أن تتكلم من شدة الألم ولكنها أومأت إليهم بصوت خافت: نعم أريد!

كان ما يزال فيها رمق من حياة، فأخذوها إلى خارج المدينة وعرّوها، وهناك قيدوا قدميها بالحبال، وأحضروا جملاً برياً، ثم أخذوها إلى الصحراء وقد ربطوا الحبال بالجمل بعد تعليق بعض الأجراس الخشبية على الحبال ليصطدم بعضها ببعض فيهيج الجمل، ثم أطلقوا الجمل في البرية فخطفها بعنف وسحبها خلفه. وهكذا نالت أليصابات الطوباوية إكليل استشهادها.

أخبرنا القادمون من نجران أن ثلاثة من الشبان من أقارب الطوباوية جازفوا بحياتهم، وتدلوا بالحبال من سور المدينة ليلاً. واقتفوا آثار سحب الناسكة، تتبعوها طوال الليل. وفي الساعة التاسعة من اليوم التالي وجدوها. كانت الحبال المربوطة بقدمي الناسكة قد علقت بجذع شجرة عتيقة، والجمل الذي هُيّج بعنف في مساره قد اختنق على أثر شد الحبل حول عنقه.

اختبأ اثنان من الشبان هناك بينما عاد الثالث إلى البلدة ودبر أمر دخوله إليها عن طريق مجرور للماء القذر يتجمع من البلدة في أثناء الشتاء، وبلغ أفراد عائلته المختبئين في البلدة عنها سراً ثم أخذ هو ورجل آخر قماشاً نظيفاً من الكتان وعطوراً وكل ما يلزم للدفن وتزود أيضاً بخبز وخمر وماء وفأس، ثم تدلّيا من على السور بالحبل. وعند وصولهما إلى حيث زميلاهما ينتظران لفوا الناسكة بالكفن الكتاني وبالحنوط ودفنوها في مكان خاص حددوه بعلامة ليتعرفوه. وهكذا وضعوا الطوباوية لترقد فيه حيث لا يمكن أن يكشف المكان أي إنسان إلا أولئك الذين دفنوها هناك، ثم عادوا إلى البلدة بفرح عظيم. وقد علم عدد قليل فقط بهذا العمل السري

تَهْنا وأُمّة وحُذَيّة

لدى سماع السيدة تهنا بخبر احتراق الكنيسة أمسكت بيد ابنتها بقوة (وكانت البنت تدعى أمة وهي من المكرسات). وذهبتا إلى الكنيسة لتحترقا مع الآخرين. فلما رأتهما أمتهما واسمها حذية قالت: سيدتي سيدتي إلى أين تذهبين؟ إن البيعة تحترق والمكرسين والمكرسات يحترقون في النار! أجابت سيدتها: وأنا أيضاً ذاهبة لأحترق معهم، أنا وابنتي، فهي من المكرسات! أردفت الخادمة: أستحلفك بالمسيح يا سيدتي، خذيني معك لأستمتع أنا أيضاً بأريجْ الشهادة مع القساوسة، وهكذا قادتها سيدتها بيدها ودخلن الثلاثة البيعة، واحترقن حتى الموت مع القسس.

أما حذية الابنة الصغرى لتلك السيدة المغبوطة فلم تذهب إلى البيعة مع والدتها وأختها بل مكثت في البيت، فقبض عليها اليهود فأضرموا النيران في البيت وطرحوها في النار. فلما لذعتها قليلاً أخرجوها وأضرموها ثانية ورموها فيها مرة أخرى، وأعادوا هذه العملية مرة ثالثة حتى نالت الفتاة البتول إكليل الشهادة.

تم إحراق البيعة ومن فيها من الشهداء القديسين والأسقف بولس ورجال الإكليروس وسائر الناس كما ذكرنا سابقاً في الخامس عشر من تشرين الثاني وفي اليوم ذاته استشهدت الشماسة أليصابات ورفيقاتها كما ذكرنا سابقاً.

النساء الحرائر

التفت الملك إلى النسوة قائلاً: لقد رأيتن بأم أعينكن موت أزواجكن لأنهم رفضوا أن ينكروا المسيح والصليب، ولأنهم ادّعوا مجدفين أن المسيح هو الله وابن أدوناي. فارأفن بحالكن الآن وبأبنائكن وبناتكن. أنكرن المسيح والصليب واعتنقن اليهودية مثلنا يكتب لكن الحياة وإلا فستقتلن حتماً!

أجابت النسوة: المسيح هو اللّه وابن الله الرحيم. نؤمن به ونعبده وسنموت من أجله. حاشا لنا أن نكفر به أو نعيش بعد موت أزواجنا. لا، سنموت مثلهم من أجل المسيح!

تلك السيدات اللواتي كن من (المكرسات) والراهبات لم يحترقن في البيعة مع رفيقاتهن فقلن للعلمانيات: من العدل أن نقتل نحن أولاً! لكن العلمانيات أجبن: لا، من العدل أن نقتل نحن أولاً بعد أزواجنا مباشرة!

أمر الملك بإحضار السيدات إلى الوادي وقتلهن هناك. هرعت السيدات معاً تدفع الواحدة الأخرى بمنكبيها وكل واحدة تريد أن تموت أولا. كان الملك الغاشم وأعوانه يسخرون منهن وهن يتسابقن إلى الموت. وهكذا نلن إكليل الشهادة بالسيف في يوم الأربعاء كما كتب سابقاً وفي شهر تشرين الثاني من عام (835 م) وفق التاريخ السكندري (الاثنين 16 تشرين الثاني في تأريخ الحِمْيَريين).

كان الملك قد وجه تعليماته بألا تقتل إحدى السيدات وهي رَهْم أو رومي ابنة أزمع من عشيرة جو وهي نسيبة الشيخ الشهيد حارث بن كعب، وكان سبب استثنائها من القتل رفعة نسبها وجمالها. ولأن الملك اعتقد أنه بملاطفتها يجعلها تكفر بالمسيح والصليب، وهكذا عادت فدخلت البلدة وهي آسفة جداً لأنها لم تمت.

الإماء

أمر الملك بإحضار الإماء ثم تحدث إليهن قائلاً: لقد رأيتن سيداتكن وأسيادكن وأنسباءكن أيضاً يموتون موتاً أليماً، لأنهم رفضوا إنكار المسيح والصليب، فأنقذن أنفسكن. استمعن إلى واكفرن بالمسيح والصليب فأطلق سراحكن وسأزوجكن من أزواج أشراف! لكنهن أجبنه: حاشا لنا أن ننكُر المسيح والصليب وحاشا أن نبقى أحياء بعد موت أسيادنا والأصدقاء. لا، سنموت معهم ومثلهم في سبيل المسيح، حاشا لنا أن نوافقك ونقبل عرضك!

فلما رأى الملك إصرارهن على عدم الكفر بالمسيح أمر بأخذهن إلى الأخدود لقتلهن هناك. ونفذ ذلك فنلن جميعهن إكليل الشهادة بالسيف.

مَحْيا

وفي اليوم ذاته بعد مقتل الإماء كانت مَحْيا، أمة الشريف العظيم، تختبئ في منزل خاص. كانت امرأة شرسة وقحة، مؤذية وغير محبوبة من الجميع بسبب سلوكها. كانت دوماً مسترجلة في تصرفاتها حتى أسيادها (مالكوها) كانوا يخافونها بسبب شخصيتها السيئة. فلما سمعت آنذاك أن أسيادها وأسرتها وأصدقاءها قتلوا، اندفعت إلى الشارع وقد تمنطقت بحزام كالرجال وجرت في شوارع المدينة وهي تصرخ: أيها الرجال والنساء، أيها المسيحيون حانت الساعة لتردوا للمسيح ما تدينون له. اخرجوا وموتوا في سبيل المسيح تماماً كما مات من أجلكم، فمن يتخاذل عن الخروج إلى المسيح اليوم لا ينتمي إليه، ومن لا يستجب لدعوة المسيح فلن يُستجاب له غداً. إنها ساعة المعركة. تعالوا وآزروا سيدكم يسوع المسيح ففي غد سيغلق الباب ولن تتمكنوا من ولوجه. أعرف أنكم تكرهونني ولكن قسماً بالمسيح لن أكون عدوكم بعد اليوم، قسماً بالمسيح لن أؤذيكم. انظروا إلي، ما من إنسان سيئ مثلي فاتبعوني لئلا أذهب بمفردي، وإلا سيهرب اليهود مني كالعادة ولن يقتلوني!

هذا ما كانت تنادي به طوال الطريق حتى وصلت إلى حضرة الملك. فلما رآها بعض اليهود الذين كانوا يعرفونها، أخبروا الملك قائلين: هذه المرأة هي شيطان المسيحيين نفسه، فما من شيطان إلا يسكن فيها!

ثم وجهت حديثها إلى الملك قائلة: أقول لك أيها اليهودي جزّار المسيحيين. انهض واذبحني أيضا، لأني مسيحية من إماء الحارث بن كعب الذي قتلته البارحة. ولا تتخيل أنك انتصرت على سيدي. بل إن سيدي هو المنتصر عليك وأنت المهزوم. فأنت من خنت إلهك وغلبك سيدي، لأنه لم يخن المسيح ويكفر به. أقول لك لو خرجت إلى سيدي بجماعة من اللصوص لقاتلتك بالرمح والسيف، ولركلتك بقدمي. ولو شاء سيدي قتالك لسحقك كالذبابة!

أمر الملك بتعريتها فلما فعلوا ذلك قالت للملك: عار عليك وعار على كل رجالك اليهود أن تفعلوا هذا بي، لا يخجلني عريي لأني فعلت هذا عدة مرات بمحض إرادتي وقد خلقني الله هكذا! تعريت بحضرة الرجال والنساء دون أن أشعر بالخجل من أنوثتي، أما أنت، فجميع الحِمْيَريين يعرفون الخزي الذي ألحقه بك جحشون التاجر من حيرة النعمان عندما نجاك من الموت على يد الأحباش في الحرب!

وجحشون هذا اتفق أن كان في أرض الحِمْيَريين لما هاجمهم الأحباش وهزموهم، فقبضوا على ذلك اليهودي يرغبون في قتله. أما ذلك التاجر فقد أقسم لهم بالإنجيل أن ذلك اليهودي مسيحي. وبهذه الوسيلة خلّصه من الموت. ولكن لما أصبح ذلك اليهودي ملكاً فتك بالمسيحيين، أرسل بعض الغنائم المسلوبة من المسيحيين إلى ذلك اللص جحشون في حيرة النعمان مع رسالة شكر وامتنان وكان ذلك سببُ كره المسيحيين لهذا التاجر الذي أشارت إليه المرأة وعيَّرَتْ به الملك كما أشرنا.

أمر الملك فجاؤوا بحمار وثور وقيدوا ساقي المرأة وربطوا إحدى الساقين بالثور والأخرى بالحمار. ثم أخذ الأولاد اليهود عصياً وضربوا بها الثور والحمار فجرت الدابتان حول البلدة ثلاث مرات. وهكذا أسلمت الشهيدة روحها في سبيل المسيح.

ثم أحضروا جثتها إلى البوابة الشمالية للمدينة تجاه قصر سيدها حارث بن كعب. وكانت هناك شجرة ضخمة من الإثل فعلقوها منكسة الرأس حتى المساء، وجاء اليهود فرشقوها بالحجارة ورموها بالسهام. وفي المساء أنزلوها من على الشجرة وجروها وطرحوها في الأخدود.


رَهْم

بعد ثلاثة أيام من مقتل النسوة الحرائر وإمائهن، في يوم الأحد، أرسل الملك رسالة إلى رَهْم بنة أزمع مفادها أنها إن أنكرت المسيح فيمكن أن تعيش، وإن لم تنكره فستُقتل. فلما سمعت الرسالة خرجت هذه المرأة التي لم يرَ أحد وجهها خارج باب منزلها والتي لم تمش قط في المدينة في وضح النهار حتى ذلك اليوم، وتوقفت هناك بحضور أهل المدينة كلهم حاسرة الرأس، وصرخت قائلة: يا سيدات نجران، أيها المسيحيون واليهود والوثنيون، اسمعوا: تعلمون أني مسيحية وتعرفون نسبي وعائلتي ومَن أنا، وتعلمون أني أملك الذهب والفضة ولدي إماء من ذكور وإناث وتعرفون دخلي الخاص وأنه: لا ينقصني شيء. ولو أردت الآن لتزوجت ثانية بعد أن قُتل زوجي من أجل السيد المسيح ولَوَجدت زوجاً مناسباً. أخبركم في هذا اليوم بالذات أني أملك عشرة آلاف ديناراً مودعة بخزينتي غير ما هو لزوجي، ولدي المجوهرات من اللؤلؤ والعقيق اليمني في منزلي الذي لم تر مثلها بعضكن أيتها النساء ولا بناتكن. واعلمن أيضاً جيداً يا صديقاتي أن المرأة ليس في نظرها أجمل من أيام زفافها وبعد أيام زفافها، ليست ثمة بعد ذلك سوى الأحزان والآلام. فولادة الأطفال تقترن بالأوجاع وفقدهم يسبب المعاناة والأسى، وحين يدفنون يكون البكاء والنحيب!

ولكن منذ هذا اليوم أصبحت حرة طليقة وسأبقى في فرح أيام زفافي: إن بناتي البتولات الثلاث لم يتزوجن بعد، قد زينتُهن لأجل المسيح. تمعنوا بي لأنكم قد رأيتم وجهي مرتين: مرة في حفلة زفافي الأول والثانية اليوم يوم زفافي الثاني. دخلتُ بيت زوجي الأول حاسرة الرأس والآن إني ذاهبة إلى المسيح ربي وإلهي وإله بناتي، تماماً كما جاءنا أولاً. انظروا إلي وإلى بناتي، فلست أقل جمالاً منكم وأنا ذاهبة إلى المسيح ربي، ذاهبة بجمالي الذي لم يُشوه بإنكار اليهود للمسيح. جمالي نفسه سيكون بمنزلة شاهد لي أمام ربي. هذا الجمال الذي لم يكن بإمكانه أن يضللني لإنكار السيد المسيح ربي. ذهبي وفضتي ومجوهراتي، خدمي وخادماتي وكل ما لدي سيشهدون لي بأنني لم أفضلهم وأنكر المسيح!

وقد بعث الملك الآن إليّ رسالة يدعوني فيها أن أنكر المسيح لأنقذ حياتي ولكني أجبته: لو أنكرت المسيح سأموت وإن لم أنكره فسأحيا! حاشا لي أيتها النساء، حاشا لي أن أنكر المسيح إلهي لأني أؤمن به، وباسمه اعتمدت، واعتمدت بناتي أيضاً. أبجل وأكرم صليبه ولأجله نموت أنا وبناتي تماماً كما مات من أجلنا.

أتركُ ذهبي الذي يخص الأرض للأرض. كل من يريد أخذ ذهبي فليأخذ، وكل من يريد فضتي ومجوهراتي فليأخذها. بمحض إرادتي أخلف ورائي كل شيء لأذهب وأتلقى البديل من ربي!

طوبى لكُن أيتها النساء إن أصغيتن إلى كلامي، طوبى لكنّ إن علمتُن حقيقة من أجل من أموت أنا وبناتي. طوبى لكن إن أحببتن المسيح، طوبى لنا أنا وبناتي لأنه مبارك ذلك المكان الذي نذهب إليه!

سيعم السلام والهدوء منذ اليوم على شعب المسيح. دم أخوتي وأخواتي الذين قتلوا في سبيل المسيح سيكون سوراً لهذه المدينة، إن تمسكت بشدة بالمسيح ربي. أغادر مدينتكن ووجهي سافر، مدينتكن التي عشت فيها، وكأني في إقامة مؤقتة، أغادرها مع بناتي إلى مدينة أخرى حيث خطبتهن!

اضرعن إلى الله من أجلي أيتها السيدات ليتلقاني السيد المسيح ويصفح عني لبقائي في هذه الحياة ثلاثة أيام بعد مقتل والد بناتي!

ولما أنهت رَهْم الطوباوية حديثها ارتفع النحيب من نسوة المدينة كلهن، واهتز له الملك الطاغية وأولئك الذين كانوا معه خارج المدينة كما اهتز له كل من وصل إليه كلامها.

ولما عاد الموفدون من الملك لإحضار السيدة الطوباوية أخبروا الملك بكل ما قالته رَهْم الجليلة، وكيف كانت النسوة يبكين من أجلها. فأراد الملك أن يقتلهم لأنهم سمحوا لها بالكلام المسهب وبالتالي ضلّلت المدينة كلها بهرطقتها.

ثم خرجت رَهْم من المدينة حاسرة الرأس ومعها بناتها. جاءت إلى الملك ووقفت أمامه بوجه سافر دون الشعور بالخجل، جاءت وهي تمسك بأيدي بناتها اللواتي كن مرتديات ومزينات كأنهن ذاهبات إلى حفل زفاف. وأسدلت السيدة شعرها المجدول ثم كشفت عن نحرها ونحت عنه شعرها بطرف يدها، وأحنت رأسها للملك وأشارت إلى مذبح عنقها قائلة: أنا وبناتي مسيحيات وسنموت لأجل المسيح. فاقطع رؤوسنا لنذهب وننضم إلى أخوتنا، وإلى والد بناتي!

بعد هذا تحدث الملك إليها ملاطفاً: قولي فقط إن المسيح الذي صلبوه على الصليب كان إنساناً ومن ثم اذهبي طليقةً إلى البيت أنت وبناتك!

واستجمعت إحدى بنات رَهْم الطوباوية ولم يتجاوز عمرها التاسعة كل ما في فمها من اللعاب وبصقت على الملك حين سمعته يطلب من والدتها أن تنكر المسيح وتبصق على الصليب.

وبالنسبة إلى هذه الواقعة يضيف الذين وفدوا إلى نجران من أحرارها أن الفتاة التي أهانت الملك لم تكن في الحقيقة ابنة رَهْم الطوباوية بل حفيدتها التي دعيت باسمها رَهْم. وكانت والدة الطفلة قد قتلت مع النساء اللواتي قتلن في اليوم السابق.

قالت الفتاة للملك: بصقت عليك لأنك لم تخجل من أن تطلب من جدتي أن تنكر المسيح وتبصق على الصليب. أرفضك وأرفض كل اليهود مرافقيك، وأرفض كل من يرفض المسيح وصليبه كما فعلت. لأن السيد المسيح يعلم أن جدتي أفضل من والدتك وأسرتي أفضل من أسرتك، ومع ذلك فقد تجرأت وطلبت منها أن تبصق على الصليب وتنكر المسيح. فضّ الله فاك أيها اليهودي الذي ذبح ربه!

ولما خاطبت الفتاة الملك هكذا أمر رجاله بإلقاء السيدة المسنة على الأرض. ثم لكي يخيف جميع المسيحيين، أمر بذبح الطفلة حيث يسيل دمها إلى فم الجدة. ثم قتلت الابنة الأخرى التي كانت تدعى أمّه، وأيضاً صُب بعض دمها في فم أمها. وبعد ذلك أوقفوا المرأة ثانية وسألها الملك: هل استسغت دم ابنتك!؟ فأجابت: إنه كتقدمة نقية بلا خطيئة، هكذا كان مذاقه في فمي وقلبي! فأمر الملك بأن تقتل في الحال.

ويضيف الذين وفدوا من نجران عند هذه النقطة ما يلي: بعد مقتل رَهْم الطوباوية اقترب أعوان الملك وقالوا: هذه السيدة قدمت خدمات جليلة لكثير من الناس: للملك وأعوانه والفقراء. وقد أسدت معروفاً لسلفك الملك معدي كرب في هذه المنطقة عندما وقع في محنة. كان قد اقترض منها اثني عشر ألف دينار فلما حان أمد تسديد الدين ولم يكن قادراً على الوفاء سامحته بالدين والفائدة المترتبة عليه. وقد أغنت الكثيرين بطرق عديدة. فنلتمس منك أن تسدي لنا هذا المعروف، من أجل وافر أفضالها على الجميع، أن تسمح بدفن هذه المرأة. فقد أدت أعمالاً خيرة متنوعة ليس لها أية علاقة بمسيحيتها!

وهكذا وجه الملك لدفنها. أخبرونا بأنها لُفت بقطع من الكتان المهلهل، ودفنت على حافة الأخدود الذي قتلت فيه صديقاتها. وذكر القادمون من نجران أيضاً أن الشيخ الحارث بن كعب دفن عند سور المدينة مقابل مدخل ساحته. فكل الشكر لالتماس أولئك الأعوان.

نالت رَهْم الطوباوية، ابنة أزمع وحفيدتاها أُمّة ورَهْم إكليل الشهادة يوم الأحد الواقع في 20 تشرين الثاني.



ب) من كتاب الحميريين:

حبصة، حَيّا وحَيّا الأخرى

قصة تحكي عن إيمان السيدات الحرائر: حبصة، وحَيّا، وحَيّا الأخرى، بالمسيح ربنا، عن استشهادهن في سبيله.

من بين النساء الحرائر المؤمنات في نجران اللواتي لم يقبض اليهود عليهن لإجبارهن على إنكار السيد المسيح كانت المرأة الحرة حبصة من نسل آل حيان بن حيان، المعلم المذكور في بداية هذا الكتاب. (مما يدعو للأسف أن الفصل الذي يتناول سيرة ابن حيان قد فقد) المعلم الذي بجهوده نشرت المسيحية في نجران وفي ولاية الحِمْيَريين. عندما سمعت هذه المرأة الرائعة كل ما جرى للحرائر من قبل اليهود القتلة، كل ذلك بسبب إيمانهن بالمسيح رجائنا، ساءها جداً أن تحرم صحبة الشهيدات فحزنت وبكت وقالت: ربنا يسوع المسيح لا تعتبر آثامي أو تستثنيني من مرتبة الشهادة من أجلك بل اجعلني أهلاً للسير على غرار أولئك اللواتي أحببنك وذبحن في سبيل اسمك المبجل!

وفي يوم الإثنين، بعد يوم من نيل نساء نجران الحرائر إكليل الشهادة أخذت هذه المؤمنة حبصة صليباً برونزياً صغيراً كان لديها وخاطته على غطاء رأسها تماماً فوق جبهتها. ثم خرجت إلى الشارع وبدأت تجاهر بنصرانيتها وتصيح: إني مسيحية وأعبد المسيح! وانضمت إليها امرأتان حرتان إحداهن كانت امرأة عجوز تدعى حَيّا، والأخرى كانت تسمى أيضاً حَيّا ولكنها كانت شابة.

استرعت النسوة الثلاث اهتمام عدد كبير من رجال نجران ونسائها، ولمحت حبصة بينهم جارها اليهودي فصرخت قائلة له: أيها اليهودي السفاح، أرفضك وأرفض جميع أصحابك المؤمنين، لأنك تنكر أن المسيح هو الله. أرفض ملكك الصالب ربه. اذهب وأخبره بأن حبصة ابنة حيان تجاهر بنصرانيتها في الشارع وأنها ترفضك وجميع أعوانك!

قال اليهودي لها: لن يسمحوا لي بالاقتراب منه! فأجابت حبصة: اذهب وأخبره كما قلت لك، فإن لم تذهب تأكد أني سأواجهه وأخبره أنني طلبت منك أن تخبره وأنك تخاذلت ولم تفعل! قال اليهودي: أخاف الاقتراب منه! إذاً! قالت حبصة: اذهب وأخبر أحد قادته وسيتولى بدوره أمر إخباره! ذهب اليهودي حينئذ وأخبر (مسروق) أحد قادة الطاغية (هذا لقبه واسمه الحقيقي يوسف) عما قالته حبصة وصاحبتاها وكيف أنهن يجاهرن بنصرانيتهن ويرفضن بصوت عال كل اليهود على مسمع الجميع.

ولما سمع سافك الدم الزكي مسروق السفاح هذا الخبر، اضطرب وغضب كثيراً واغتاظ من تلك النسوة الحرائر فأمر بأن يقبض عليهن فوراً ويحضرن أمامه. نفذت أوامره حالاً وعندما وقفن أمامه، قال لهن بطريقته المتغطرسة: من منكن حبصة!؟ أجابت حبصة: أنا هي! ثم تابع مسروق الغاشم استجوابه: ما اسم هاتين السيدتين!؟ أجابت حبصة: كلتاهما تدعيان حَيّا! ثم سألها مسروق الطاغية: ابنة من أنت!؟ فأجابته: أنا حبصة بنة حيان من آل حيان المعلم الذي على يده تم نشر المسيحية في هذه الأرض. وأبي هو حيان الذي أحرق مجامعكم! (تلميح إلى أن الصراع والخلاف بين اليهودية والمسيحية في نجران يعود إلى ما قبل اغتصاب مسروق العرش).

قال لها السفاح مسروق: إذاً أنت تحملين معتقدات والدك ذاتها؟ وأقدّر أنك أيضاً مستعدة لإحراق مجمعنا تماماً كما فعل والدك، حسب ما تقولين! فأجابته حبصة: لن أحرقه الآن لأني مستعدة كلياً لأسير سيراً حثيثاً بطريق الشهادة على غرار أخوتي في المسيح. ولكن لدينا الثقة بعدالة سيدنا وإلهنا يسوع المسيح وأنه سينهي حكمك ويمحوه من الجنس البشري. سيحطم كبرياءك وحياتك وسيقتلع مجامعكم من أرضنا ويبني مكانها كنائس مقدسة. ستنتشر المسيحية هنا وتسود بنعمة ربنا وبصلوات آبائنا وأمهاتنا، أخوتنا وأخواتنا الذين ماتوا في سبيل المسيح ربنا، بينما أنت وكل من ينتمي إلى شعبك ستغدون مضغة في الأفواه، وموضع استنكار من الأجيال القادمة بسبب كل ما فعلته بالكنائس والذين يعبدون المسيح الله أيها الكافر عديم الرحمة الأثيم الخالي من الشفقة!

هيأ الثعبان الملعون مسروق سموم قلبه كالثعبان الذي يريد امتصاص دم الحمامة. ولأنه انزعج وغضب مما سمع من شفتي حبصة فقد فكر بابتكار طريقة موت مؤلمة تناسبها، وينهي بها حياة هذه المؤمنة التي تحدثت إليه بهذا الشكل.

أصدر تعليماته برمي الصليب على الأرض أمامه، وإحضار وعاء من الدم، تماماً كما فعل في حادثة أولئك الذين استشهدوا قبلها. ثم وجه كلامه إليها قائلاً: بجراءتك تحدثت بالتفصيل عن كل ما أردت، وجعلتني أسمع أشياء عديدة وغريبة لم يتفوه بها أمامي حتى الرجال الذين سبقوك. لقد أدهشني كثيرا مدى الاحتقار الذي أبديته لي أو كما تتخيلين بالتحدث إلي بجسارة كهذه الطريقة. ولكن لأنك امرأة، فمن المناسب أن أطلب منك أن تحيدي عن غلطتك، ومن ثم، إن خذلت في الإصغاء إلي فسأهلكك بضراوة كما تستحقين. لذا اكفري بالمسيح في الحال وابصقي على هذا الصليب واغمسي إصبعك في هذا الدم وقولي كما نقول تماماً: إن المسيح هو إنسان فانٍ كأي واحد منا، ويهودي مثلنا، ومن ثم ستحيين وسأزوجك من أحد الأحرار وسأسامحك على كل ما تفوهت به!

قالت له حبصة: فمك هذا الذي جدف على خالقه سيفضّ سريعاً ويحرم الحياة في هذه الدنيا ولن يبقى لك ذرية تخلفك لتشتم خالقها. أيها السفاح الذي صلب ربه، قد جهدت، كما تتخيل، لتقضي على الشعب المسيحي برمته في أرضنا. تأكد أني لست أرفض أن أقول إن المسيح إنسان عادي فقط بل إني أعبده وأشكره على كل النعم التي أنعمها علي. أومن بأنه الله خالق كل المخلوقات، وأتخذ صليبه ملاذاً لي. فابتكر أنواع التعذيب التي تريد أن تفرضها علي، وكن على يقين بأني لن أحفل بأي نوع من أنواع تعذيبك!

أجابها السفاح مسروق: أعرف الآن أن رغبتي في تجنيبك القتل القاسي لم تنجح. فمنذ الآن دمك يقع على رأسك لأني سرعان ما أقوم بعمل يجعلك تندمين في سرك لأنك لم تصغي إلى حديثي!

ثم سأل مسروق المرأتين الحرتين اللتين كانتا معها: وماذا عنكما؟ أتنصتان إلى حديثي وتكفران بالمسيح؟ أم ستتمسكان بجنون هذه السيدة وترغبان في الانضمام إليها لمقابلة مصيرها المؤلم!؟

أجابت السيدتان المدعوتان حَيّا: كل ما قالته حبصة لك كان باسم ثلاثتنا. مع أن أفواهنا لم تتفوه بهذه الكلمات إلا أن قلوبنا متفقة معها بالرأي، حاشا لنا أن نختلف في معتقدنا، بل إننا على استعداد لتحمل أية آلام في سبيل الحق الذي نمتلكه. فافرض علينا إذاً كل أساليب التعذيب التي تريدها لأننا نعترف ونؤمن بأن المسيح هو الله، ونرفضك ونرفض كل من هو من رأيك!

فلما سمع قول السيدتين تفاقم غضب الغاشم مسروق، وبسبب حبّه للأذى أمر مباشرة أن تربط سيقان السيدات إلى أفخاذهن وتحطم كالجمال، ومن ثم ضربهن بالعصي وجلدهن.

شرعت النساء المغبوطات يصلين قائلات: نشكرك يا ربنا لأنك أهلتنا للشهادة في سبيل اسمك. ربنا امنح السلام لكنيستك، واحفظ أولادها من الارتداد عن عقيدتهم. اقبلنا في سلامك واصفح عن كل ما أذنبنا بحقك! فلما نفذت أوامره كان يسمع صوت عظامهن التي كانت تتخلع، ومفاصلهن التي كانت تتفكك. وأزالوا الصليب أيضاً من على رأس حبصة ورموه بعيداً. قال لها الطاغية: نظراً إلى أنك رجوت مساعدة الصليب فآمر الآن أن تعذّبْن أنت وصاحباتك في المكان نفسه الذي خاطبت به الصليب، وستدركين أنه لن ينفعك فحسب بل كان أيضاً سبباً لهلاكك وهلاك هاتين السيدتين اللتين انضمتا إليك بجنونك!

ثم أمر بختمهن في وجوههن. فلما أُنفذ الأمر بلغت آلام إماء الله أوجها وضقن عن الكلام، ثم أمر السفاح مسروق بجلدهن على ظهورهن كالرجال وبلا شفقة. وتم تنفيذ ذلك أيضاً. فقال لهن القضاة القتلة ساخرين: ألا تطعن الآن أمر الملك وتفعلن ما يقوله أم تطيب لكن هذه الميتة!؟. فأشرن بأيديهن وقد تعذر عليهن الكلام: نعم، الموت أحب إلينا!

ولأن آلام المرأة الطوباوية المسنة حَيّا كانت لا تضاهى فقد أسلمت روحها لربها، فنالت إكليل الشهادة لأجل اسمه. وعندما رأى القتلة أنها قضت نحبها رفعوا أصواتهم وانفجروا بالضحك قائلين بحماقة: إن المسيح الذي تعبده أفادها كثيراً - خان في إنقاذها من هذه الآلام، انظروا فقط كيف طالها الموت كأي بهيمة!

أزالوا جثمان حَيّا الطوباوية ورموها خارج المخيم. وفي تلك الليلة خرج بعض المسيحيين الذين كانوا يعيشون بخوف ولا يجاهرون بدينهم، فحفروا قبراً لحَيّا الطوباوية، تلك المرأة الرائعة.

كانت أمتا الله حبصة وحَيّا الأخرى تشعران بآلام مبرحة، عاجزتين عن النطق بسبب الضرب والجلد دون رحمة، فأمر مسروق السفاح بإحضار جملين من الإبل الصعاب، ورَبْط كلّ من المرأتين بجمل، ثم إطلاق البعيرين في الصحراء.

ونفذت أوامره للفور، وهكذا جرّهما الجملان حتى أسلمتا روحيهما إلى ربهما، ونالتا إكليل الشهادة وبموتهما شهدتا للرب.

وكان الرجل الحر أفعو الذي كتبْنا عنه سابقاً، والذي دون لنا هذه الشهادة، صهر حبصة الطوباوية (زوج أختها) وقد رأيناه وتحدثنا إليه. فنقل لنا أنه، مع رجلين آخرين، خرجوا يتتبعون آثار الجملين اللذين جرا خلفهما المرأتين الطوباويتين، وبعد اثني عشر ميلاً أو أكثر وجدوا جثة الطوباوية حَيّا وقد انتزعت عنها الحبال التي كانت مربوطة بالجمل وقد شرّد أحد الجملين وتركها خلفه. وبإيمان نزع شعر الطوباوية تبركاً به، وحفر حفرة ودفن جثتها في المكان ذاته.

وتابع الرجال المسير فلمحوا آثار البعير الآخر فتتبعوها مسافة خمسة عشر ميلاً فوجدوا جثة أمة الله حبصة الفاضلة، وقد برك الجمل على الأرض، فلما رأى ذلك أفعو أسرع بهدوء وقطع الحبال بالسيف، فنهض الجمل وارتحل تاركاً خلفه جسد أمة الله الطاهر. أخذ أفعو وأصحابه جسد الطوباوية حبصة ودفنوه بجانب الطوباوية حَيّا. وبإيمان قصوا شعرها وأخذوه مع شعر حَيّا الجليلة بعد أن وسموا قبريهما بعلامة. ومن ثم عادوا خوفاً من اليهود الذين كانوا يسيطرون على تلك المنطقة.

أعطانا أفعو بعضاً من شعر السيدتين ذخيرة وبركة، ولكن عندما طلبنا منه أن يعطينا بعضاً من عظامهما قال لنا: خوفاً من اليهود لم نحضرهما بعد إلى بلدتنا. نحن أيضاً لم نأخذ بعضاً من عظامهما لأنه إن كان مؤمناً يحمل عظاماً للشهداء الأجلاء فسيقتله اليهود مباشرة!

تلك النسوة الفاضلات تقبلن الشهادة الباسلة في سبيل ربهن يوم الثلاثاء من تشرين الثاني، فقدمن مثلاً رائعاً لأولئك الذين جاؤوا بعدهن.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
بولص شمعون الشماس
بولص شمعون الشماس
مشرفة منتدى العائلة
مشرفة منتدى العائلة

قديسات وملكات في نجران .. Empty رد: قديسات وملكات في نجران ..

الثلاثاء يناير 17, 2012 4:59 am

الموضوع ذو اهمية كبيرة وقيمة يرجى الاهتمام به وحفضه في الارشيف
لكي يكون مرجعا لنا في حين الرجوع اليه كما اقدم شكري الجزيل لكاتبه
ومعده والله الموفق
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى